إضاءاتالعناوين الرئيسية

اغتصاب المحارم ٢/٢ .. بسام العطري

…الوسط – midline-new

.
بعد نشر الجزء الأول من المقالة وردتني أسئلة كثيرة تدور كلها حول موقف الشريعة الإسلامية من هذا الموضوع ، والموقف القانوني من مرتكبيه ، وكذلك كيفية تسجيل الطفل المولود من جراء تلك العلاقة ، وكنت قد وعدت الجميع أن يجدوا أجوبة لأسئلتهم في الجزء الثاني من المقالة.

وكنا قد تطرقنا في حديثنا السابق إلى بحث أسباب هذه الجريمة من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والنفسية وكان البحث شاقاً على هذا الصعيد ،أما البحث فيه من الناحية القانونية فقد كان أقل مشقة بكثير إذ أنني رجعتُ إلى نصوص قانون العقوبات السوري بتأنٍ فوجدتُ في الباب السادس منه فصلاً عن الجرائم التي تمس الأسرة ، حيث نصت المادة / 476 / منه على أن:
“1- السفاح بين الأصول والفروع شرعيين كانوا أو غير شرعيين أو بين الأشقاء والشقيقات والأخوة والأخوات لأب أو لأم أو من هم بمنزلة هؤلاء جميعاً من الأصهرة يعاقب عليه بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات . 2- إذا كان لأحد المجرمين على الآخر سلطة قانونية أو فعلية فلا تنقص العقوبة عن سنتين . 3- يمنع المجرم من حق الولاية . ” وبعد ذلك جاءت المادة / 477 / من قانون العقوبات على أنه : ” 1- يلاحق السفاح الموصوف في المادة السابقة بناءً على شكوى قريب أو صهر أحد المجرمين حتى الدرجة الرابعة . 2- وتباشر الملاحقة بلا شكوى إذا أدى الأمر إلى الفضيحة . ” والذي يمكن أن يستخلصه مباشرة القارئ المختص من هاتين المادتين أن المشرّع السوري عندما سنَّ قانون العقوبات اعتبر جريمة الزنا بين الأقارب (السِفاح) من قبيل الجنحة فقط ، فأدرجها في الباب السادس ضمن الجنح المخلة بآداب الأسرة وكذلك الأمر فيما يتعلق بجريمة الزنا ، بينما جاء ذكر الاغتصاب في الباب السابع من القانون سالف الذكر ، فصل الاعتداء على العرض وهذا الباب هو باب الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة ، وقد أسبغ المشرّع السوري تبعاً لذلك وصفاً جنائياً على جرم الاغتصاب على عكس الطريقة التي تعامل فيها مع جريمة السفاح حين اعتبرها من قبيل الجنحة.

برأيي الشخصي فإن هذا الأمر يرجع في أصله إلى قيام المشرّع السوري عند سنّه لقانون العقوبات باقتباس الكثير من نصوصه وأحكامه من القانون الفرنسي – كما هو الحال في جريمة السفاح – وكان القانون الفرنسي بدوره قد استوحى تلك الأحكام من القانون الروماني ، ومما لا شك أن اختلاف عاداتنا وقيمنا الأخلاقية تختلف عن تلك القائمة في غيرها من الدول الأجنبية ودول الغرب خصوصاً . والأغرب من ذلك أن نجد قوانين عقوبات صادرة في دول عربية لا تعاقب على زنا الأقارب ، ففي مصر – مثلاً- لا يعاقب قانون العقوبات على زنا الأقارب ، بل اكتفت المادة / 267 / من قانون العقوبات المصري بالعقاب على جرم الاغتصاب فقط ، وطبعاً شتّان بين الجرمين ( الاغتصاب والسفاح ) . كما نستخلص أيضاً من قراءة المادتين آنفتي الذكر من قانون العقوبات السوري أن من يمتلك حق تقديم الشكوى إلى النيابة العامة لتحريك دعوى الحق العام بحق مرتكبي هذا الفعل هو أي من أقربائهم حتى الدرجة الرابعة من درجات القربى ، كما أنه يمكن للنيابة العامة أن تحرّك الادعاء من تلقاء نفسها إذا افتُضح أمر الفاعلين وشاع سرهم وانكشف . بعد بحثي عن هذا الموضوع على الصعيد القانوني أحببتُ أن أقف على رأي الشريعة الإسلامية من حيث تحريمه ، ومن حيث العقوبة التي شرّعت له ، وبالعودة إلى الأحكام الشرعية وجدتُ أن النصوص القرآنية لم تميّز بين زنا الأقارب وغيره ، بل اعتبرتها جميعاً زنا يعاقب عليه بالحد الشرعي الذي نصّ القرآن الكريم ، غير أن فقهاء الشريعة شددوا على موضوع زنا الأقارب والمحارم واعتبروه كبيرة من الكبائر ، بل من أكبرها واستقبحوه ومن يرتكبه إلى أبعد الحدود غير أن حده الشرعي لم يختلف رغم ذلك عن الحد الشرعي للزنا.

دفعني الفضول القانوني بعد ذلك وحب المعرفة إلى التعمّق والتبحّر أكثر فأكثر لمعرفة كيف يتم معالجة وضع الحمل ومن ثم الولادة وتسجيل المولود في السجلات والقيود المدنية وكيفية حصول ذلك كله . وعلى الدوام كان ولا زال مرجعي الأول هو الكتاب ، فرجعت أولاً إلى نصوص قانون الأحوال المدنية وبحثتُ مطوّلاً في مواده وبنوده وفقراته ، فلم أجد ضالتي المنشودة في سطوره وصفحاته ، اللهم عدا ما جاء في نص المادة /28 / من قانون الأحوال المدنية التي ورد في الفقرة الثانية منها ما يلي : ” ب – إذا كان المولود غير شرعي ، لا يذكر اسم الأب أو الأم أو كليهما معاً في سجل الولادة إلا بحكم قضائي ” . وبما أن النص القانوني لم يستطع أن يروي عطشي للمعرفة ، قررت التوجه إلى القاضي الشرعي الأول ، وكان وقتها الأستاذ عادل بندق – رحمه الله – هو من يشغل هذا المنصب ، وقد كان رجلاً خلوقاً ، نظيف اليد حصيف الرأي ، حازم القرار ، قاسي النظرة ، لكنني ما قصدته يوماً طلباً للمعرفة أو المشورة إلا غمرني برقي معاملته ، فكان يشرح ويسهب في الشرح والتفصيل ، رحمه الله وأحسن إليه.قصدتُ مكتبه في صباح اليوم والتالي ، وبعد السلام والتحية عرضتُ عليه الموضوع بإيجاز شديد ، وسألته ختاماً : – أستاذي الفاضل .. كيف يتم تسجيل طفل في القيود المدنية حملت به أمه سِفاحاً من شقيقها ؟ قطب جبينه تقطيباً شديداً وقال بصوت منخفض : – أعوذ بالله من غضب الله … في مثل هذه الحال والعياذ بالله يتم نسب الولد لأمه، ويسجل اسم أبيه آدم أو عبد الله، ويسجل في سجلات القيود المدنية ( النفوس ) في الخانة رقم واحد.

نهضتُ من مقعدي المحاذي لمكتبه شاكراً له فضله ، وسلّمتُ عليه وانصرفت تاركاً إياه شديد العبوس ، مستغفراً الله عز وجل. كانت الطامة الكبرى –من وجهة نظري– ما جاءت به الأيام ختاماً لفصول هذه القصة، حيث علمتُ أن والد الفتاة  -وهو بطبيعة الحال والد شقيقها أيضاً- قد قام بتسجيل المولود على اسمه واسم زوجته منعاً لمزيد من الفضائح التي عصفت بهم من جراء ما حصل، وبذلك فقد زاد الطين بلة، فتلاعب بالأنساب بفعلته تلك ونتيجة لهذا فقد أصبح في قيود النفوس وسجلاته جد الطفل هو والده، وجدته هي والدته ، ووالدته الحقيقة أخته ، ووالده الحقيقي أخوه… وكم من حالات مشابهة لهذه الحالة تم التكتم عليها والتستر على مرتكبيها خوفاً من الفضيحة ، وخشية من وصمة العار، فضاعت حقوق المجني عليهن وأفلت الجناة من العقاب ، وضاعت حقوق وأنساب الأطفال بلا ذنب منهم أو خطيئة.
.

*محام ومستشار قانوني- سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى