(فرضية جامحة تقول: إن الحيوانات تستشعر المجالات المغناطيسية بفضل الميكروبات في أجسامها)
*بيتر دوكريل
لا نعرف بالضبط كيف تتحسس الحيوانات ذلك؟ نحن نعلم فقط أنها هبةٌ رائعةٌ.. على مدى عقود أظهرت الأدلة أن جميع أنواع الحيوانات يمكنها استشعار المجالات المغناطيسية وحتى استخدامها لتوجيه طريقها حول الأرض، تسمى هذه القدرة الغامضة الاستشعار أو الاستقبال المغناطيسي (magnetoreception)، هي شيء يساعد الحيوانات على القيام بهجرات طويلة المدى، أو حتى مجرد العثور على طريق العودة إلى المنزل، وهذه الحاسة واضحة في العديد من الأنواع، سواء كانت ذات ريش، أو فروية، أو زعانف.
بالنسبة للبشر ! حسنًا.. قد نمتلك أيضًا القدرة على إدراك المجالات المغناطيسية، على الرغم من شح الأدلة حتى الآن -وحتى في الحيوانات، تظل الأصول الدقيقة لهذا الإدراك المغناطيسي غامضة ومبهمة.
يوضح عالم جينوم الحياة البرية “روبرت فيتاك” من جامعة “سنترال فلوريدا” أنه بالفعل “تم عرض اقتراح البحث عن هذه الآلية كواحدة من أقصى الحدود الرئيسية التي إنتهى إليها العلم في علم الأحياء الحسي”.
وفي دراسة جديدة، استعرض فيتاك وزملاؤه الدليل على أساس واحد محتمل للاستشعار المغناطيسي لدى الحيوانات، على الرغم من أنه جدير بالذكر أن الفكرة المقترحة لا تزال قائمة على الافتراض إلى حد كبير.
تتمحور التفسيرات الأكثر رسوخًا لكيفية اكتشاف الحيوانات للمجالات المغناطيسية حول فرضيتين رئيسيتين. أحدها هو الكريبتوكرومات (cryptochromes)، وهي فئة من البروتينات الحساسة للضوء -تشارك في إيقاعات الساعة البيولوجية للنباتات والحيوانات- والتي يُعتقد أنها تساعد بعض الحيوانات على رؤية المجال المغناطيسي.
الفرضية الثانية هي الاستشعار المغناطيسي القائم على أكسيد الحديد الأسود “الماغنتيت”، حيث توجد مجموعات بلورية من الحديد في أجسام الحيوانات تمكنها من اكتشاف المجالات المغناطيسية.
ومع ذلك، وعلى الرغم من الكثير من البحث، لا يبدو أن أيًا من هذه الإجابات حاسمة تمامًا، وكما يقترح فيتاك وزملاؤه بأن هناك احتمال آخر تمامًا: بوصلة مصنوعة من الميكروبات. وفقًا للباحثين، من الممكن أن تتمكن الحيوانات من اكتشاف الحقول المغناطيسية بشكل تعايشي عبر البكتيريا التي تعيش بداخلها -على وجه التحديد، البكتيريا الممغنطة (magnetotactic bacteria: MTB)، التي توجه نفسها على طول خطوط المجال المغناطيسي بسبب سلسلة من الهياكل المغناطيسية داخل أجسامها تسمى المغناسومات(magnetosomes).
في دراسة نُشرت في عام 2017 ، اقترح أعضاء فريق فيتاك أن هذه الميكروبات المغناطيسية الصغيرة يمكن أن تكون هي الأساس الذي يقوم عليه الاستشعار المغناطيسي في الحيوانات الكبيرة، من خلال نوع من العلاقة المفيدة المتبادلة للطرفين. هذه الفكرة التي تتطلع إلى الداخل رائعة و كما أقر الباحثون، فقد تلقت فرضيتهم نصيبها من الانتقادات. كان من أهمها عدم وجود دليل تجريبي على وجود مثل هذا التعايش، إلى جانب أسئلة حول انتشار البكتيريا التعايشية المغناطيسية، وكيف يمكن للحيوانات التواصل مع هذه الميكروبات المغناطيسية.
في الدراسة الجديدة، يسعى الباحثون إلى معالجة هذه القضايا، إلى جانب تقديم أدلة جديدة لدعم قضيتهم. الأهم من ذلك، أنهم يشيرون إلى دراسة من العام الماضي، والتي كشفت عن أدلة قابلة للجدل على التعايش المتبادل بين البكتيريا الممغنطة والطلائع البحرية المجهرية، واللتان قد ينتهي بهما الأمر إلى التنقل بشكل مختلف في البيئات المائية بفضل الركاب المغناطيسيين الصغار على أجسادهم:
سمى الباحثون هذا “أول دعم تجريبي حاسم” يدعم فرضيتهم، ولكن يبدو أيضًا أن نتائجهم الجديدة تعزز قضيتهم.
فمن خلال غربلة قواعد البيانات الخاصة بالمعلومات الجينية عن الميكروبات، وجد الفريق أن البكتيريا المغناطيسية، التي كان يُعتقد في السابق أنها نادرة، أصبحت في الواقع أكثر شيوعًا مما أدركنا في ميكروبات الحيوانات، ولم يتم تجاهل وجودها إلاّ الآن.
يوضح المؤلفون في ورقتهم البحثية: “إن البكتيريا الممغنطة ليست أفكوهة من الطبيعة، في الواقع فإن هذه البكتيريا موجودة في كل مكان عبر البيئات المائية واللا هوائية ولها انتشار عالمي”.
ومع ذلك وكما أقر الفريق أنه لا يؤكد أي من الأدلة الجديدة بشكل مباشر أن الميكروبات الصغيرة المحملة بالمغناطيس والتي تعيش داخل الحيوانات هي التي تمنح مضيفيها قدرة مذهلة على التوجيه والتنقل بواسطة المجالات المغناطيسية. ولكنها تبدو حجة أكثر إقناعًا كلما تعمقنا فيها.
قال أحد الباحثين، وهو عالم الأحياء التطورية “يوني فورتمان” لصحيفة “بروكسل تايمز” انه “ما زالت فرضية الاستشعار المغناطيسي التعايشي مجرد فرضية، نحن الآن في منتصف تجربة عدة أنواع من الطيور، ونختبر ما إذا كانت المضادات الحيوية ستؤثر على حاستها المغناطيسية. نعتقد أن التجربة سارية على طول شجرة الحياة، من الكائنات وحيدة الخلية (الطلائعيات)، مروراً بالديدان المسطحة، إلى الطيور والزواحف”.