إحصاءات، دراساات، استطلاعااات للبيع! .. بشار جرار – واشنطن

بعضها دوري، وبعضها الآخر موسمي، وبين هذا وذاك إحصاءات ودراسات واستطلاعات بالقطعة وحسب الطلب. يعني بـ”المشربحي” كما يقال في سوريانا الحبيبة، يتم تصميم المضمون وتكييفه و”تقييفه” حسب رغبة الشاري، وبين “البايع والشاري يفتح الله”! ولا عزاء للمغفلين .. ويا للحرج عندما يكون بين هؤلاء المغفلين، دارسون ومحللون ومعلقون وخبراء ووزراء وحتى رجال دين، أي دين!.
ثمة عقدة نقص أمام أي شيء علمي وخاصة المستورد، فما زال “الفرنجي برنجي”، إحصاءاتهم ودراساتهم واستطلاعاتهم “غير شكل”، طبعا العيب فينا، كثرة الكذب والتضليل من باب “أن الحرب خدعة”، أكسب مؤسساتنا الوطنية بما فيها العلمية سمعة سيئة للأسف وكثيراً ما تكون مظلومة قياساً بما يصدر عن نظرائها في الغرب والشرق معا.
لن أدخل بتفاصيل ما دفعني إلى كتابة هذه السطور من دراسات يفترض أن تكون وازنة علمياً، واستطلاعات رأي عام، ما أنزل بها الله من سلطان، لكن في زحمة ما يملأ فضاء الصحافة الأمريكية في معركة انتخابات الثامن من نوفمبر استوقفتني دراسة أمريكية صادرة عن مؤسسة هيريتيج المحسوبة على اليمين المحافظ والجمهوريين عموماً، تقول -قبل ثلاثة أسابيع من انتخابات التجديد النصفية- إن المؤشر العسكري للجيش الأمريكي “ضعيف” في تصنيف غير مسبوق، الأدهى والأمرّ وفي توقيت نشر “الدراسة” أنها تنص صراحة على أن أمريكا غير قادرة على خوض حتى ولو معركة واحدة وليس خوض صراعين، ماذا يعني هذا المضمون وهذا التوقيت فيما تجدد الصين انتخاب شي جينبينغ لولاية ثالثة وتؤكد فيها قطعية وحتمية عودة الفرع “التايواني” للأصل الصيني، وفي الوقت الذي يتم فيه التخلي المحرج عن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
إقرأ أيضاً .. لطفاً لا أمراً: افحصوا زيلينسكي ..
تذكرون حينما خرجت دراسة قالت إن الجيش العراقي رابع جيش في العالم؟، كيف يبرر إذن الحشد الدولي وضرب العراق على النحو الذي جرى لو لم يكن ذلك الجيش “المرعب”، لماذا هذا التضخيم لـ”درونات” إيران وصواريخها الباليستية في أوكرانيا الآن؟، أهو غسل يدين أم تمهيد لخيار شمشون؟.
وليست الاستطلاعات بأحسن حال من الدراسات. لدرجة أننا صرنا بحاجة إلى “استطلاع” حقيقي لتلك الاستطلاعات. الاستطلاع في طبيعته العسكرية وكما ورد في الكتب المقدسة يعتمد على “العيون”، عيون المستطلع (بكسر اللام) التي يثق بها، العيون التي تم إعدادها على نحو يميز بين الماء والسراب .. من هنا يحذر الإعلام الأمريكي القريب من اليسار، من ظاهرة “ميراج” بمعنى سراب الاستطلاعات التي تنشرها الصحافة “اليسارية” للتهدئة من روع مؤيدي الحزب الديموقراطي المتوقع هزيمته في مجلسي النواب والشيوخ.
لدي الكثير من الاستطلاعات الأمريكية في القضايا الأمريكية المطروحة في الموسم الانتخابي الحالي لو طرحتها لاتضحت الصورة أكثر، لكني أفضل ادخارها مع اقتراب اليوم الموعود، اكتفي الآن بمثال واحد: تراجع ثقة الأمريكيين بالكونغرس حقيقة لا ينكرها الحزبان الجمهوري والديموقراطي وهو المؤسسة التي ينتخبها دافع الضرائب الأمريكي بنفسه..
بحسب “غالوب” -إحدى أشهر المراكز العالمية في البحث وقياس الرأي العام- و قبل ثلاثة أشهر فقط، سجلت ثقة الأمريكيين بست عشرة مؤسسة وطنية الأمريكية مدنية وعسكرية، سجلت أدنى مستوى لها وخلال عام واحد فقط:
- الكونغرس مثلاً، تراجع من ١٢٪ إلى ٧٪ .
- القطاع الطبي تراجع من ٤٤٪ إلى ٣٨٪ .
- الصحف تراجعت من ٢١٪ إلى ١٦٪ .
العبرة: في كثير من القضايا، لا نلومنّ إلا أنفسنا .. نحن من نشتري الكذب والوهم بكل خيباته وجروحه وجراحاته..
*كاتب ومحلل سياسي – مدرب مع برنامج الدبلوماسية العامة في الخارجية الأميركية ..
المقال يعبر عن رأي الكاتب ..