إبراهيم وصفية مرة أخرى.. أحمد علي هلال
منذ أن كتب المسرحي الكبير وليد إخلاصي مسرحيته (مقام إبراهيم وصفية)، وهي تتواتر بمأثرتها في الفنون المختلفة من الدراما (باب المقام) إلى المسرح غير مرة من فضاءات حلب المسرحية إلى فضاءات دمشق وبتوقيع المسرحي والفنان الكبير زيناتي قدسية مخرجاً، وبما يتخلق له من أمداء بصرية وتشكيلات حركية منحت خطاب العرض متعة إضافية، أبعد من توليف نص أنموذج.
وما يلفت في هذه الرحلة –عبر جدلية الفنون- هو امتثال العمل المسرحي لشرط إبداع برؤية جديدة في إطار عصرنة النص، ومنحه أبعاداً درامية تخترق تلك السياقات التاريخية بما تحيل إليه من مناهضة لأنساق اجتماعية سائدة آنذاك، إلى ما يجعل العمل المسرحي مفتوحاً على غير زمن، إذ لم تعد حكاية (إبراهيم وصفية) مجرد حكاية عابرة ولها نظائرها في غير ثقافة.
لعل “روميو وجولييت” هي الأقرب إليها ولو نسبياً نظراً لقوة المثال، التي حملها شكسبير في عمله المسرحي، لكن مع فارق هو أن إبراهيم وصفية العاشقين واجها المجتمع المتصلب بعشق خالص، ولنا أن نستعير من رواية العلامة الراحل محمد سعيد رمضان البوطي (ممو زين) تعبيراً باهراً ومحايثاً: “قصة حب نبتت في الأرض وأينع ربيعها في السماء”. في سياق ذلك العشق المناهض لمتعاليات الواقع وأنساقه الذي سيتعين بالمأثرة الكبرى التي تصادت في مدونات الإبداع الإنساني في الأغلب الأعم، وصولاً لرؤيا الفنان زيناتي قدسية وبمشاركة نخبة من الفنانين المبدعين، كترجمة لتلك الهواجس وكتعضيد للحكاية الأثيرة، بمتخيلها وانفتاح محكيها، فضلاً عن تلك الاسقاطات التي يشي بها العمل المسرحي، دون أن يتخفف من الأبعاد الدرامية التي تجعل من ثيمة العشق أسطورة تُروى وتُعاش وتتجدد بشكل أو بآخر.
كل ذلك في سياق المعاصرة التي تمنح النص غير مستوى للتلقي بفضل ما يجترحه مخرج فنان، وما يبثه ممثلون مبدعون «محمود خليلي، صفاء رقماني، يوسف مقبل، جمال نصار، يوشع محمود، قصي قدسية»، فقيمة العرض المسرحي المضافة هنا هي في استنهاض الذرا الدرامية المكتنزة في خطاب النص وتحرير المعنى من فكرة عشق خالد، تنفتح أزمنته تجسيداً لتلك القيم الخالدة في زمن مختلف.
.
*كاتب وناقد فلسطيني- سوريا