رأي

“أنّات” أمريكانية .. بشار جرار – واشنطن ..

يا لها من صدف أو أقدار أن يتم تسريب أخطر قرارات المحكمة العليا في بلاد العم سام الذي ما كان أبدا ليرضى أن يقتل -باسمه وفي ظل نظامه العالمي الجديد الذي بشر بالانعتاق من الاضطهاد الديني والعرقي والتمييز الطبقي في أوروبا (العالم القديم)- ثلاثة وستين مليون جنين (روح) منذ عام ١٩٧٣، الذي يسمونه إجهاض وكان من المفترض أن يكون ملاذاً أخيراً “نادراً وآمناً”، صار متاحاً، لا بل وموضع تشجيع وتباهي بلغ حد ارتداء “ناشطة” تؤمن بما سموه “حق الاختيار” قميصا عليه إقرارها بأنها قامت ب”ممارسة” حق الاختيار إحدى وعشرين مرة!.

هذا التسريب الموقوت لا ريب على الأقل في نظر الجمهوريين، جاء في محاولة بائسة من الديموقراطيين وخاصة جناحه اليساري المتطرف بانتشال شعبية الرئيس الأمريكي جو بايدن المتهاوية تحت كوارث خارجية وداخلية متلاحقة أكثرها إيلاماً التضخم الذي بلغ نسبة ثمانية ونصف بالمئة هي الأعلى منذ أربعين عاما، مما اضطر مجلس محافظي الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) إلى إشهار أعلى نسبة رفع للفائدة منذ اثنتين وعشرين سنة.

وفي حمأة السياسة والاقتصاد تناسى دهاقنة “الدعاية والإعلان” لا الصحافة والإعلام أن الشهر الحالي هو المعتمد منذ سنة ١٩٤٩ شهر توعية من أمراض الصحة العقلية، أو بعبارة أدق، مكافحة وصمة “ستيغما” المصابين بالأمراض العقلية، ولفساد مهنة الصحافة بما فيها المختصون بالصحافة التحقيقية أو الاستقصائية، لم نلمح أي خبر أو تقرير أو مادة صحافية أو دعائية حتى، تشير مثلاً إلى الآثار العقلية المترتبة على أم نادمة على “اختيار” إجهاض جنينها وقد أحست بركلاته وليس فقط استمعت عبر “الإيكو” إلى دقات قلبه.

في المقابل، بلغ تسييس وتوظيف وتزوير الحقائق الطبية ومنها المتعلقة بالصحة العقلية أمراً في غاية الانحدار عندما تمكن محامون لا ضمير لهم واستنادا إلى أطباء لا ضمير لهم أيضا بتبرير مثلاً حالات تحرش جنسي، لا بل واغتصاب القاصرين، بأمور تتعلق بالصحة العقلية للجناة وبعضهم تم تحويلهم إلى خانة الضحايا لجرائم من العيار ذاته.

وما كان لهؤلاء المزورون أن يتلاعبوا بالقوانين دون غطاء سياسي وحتى قضائي، من هنا تفجرت إبان الحملة الانتخابية حتى في صفوف الديموقراطيين فضيحة سجل نائبة بايدن،  كمالا هاريس كمدعية عامة في قضايا مخدرات في ولاية كاليفورنيا تم فيها التلاعب بالأدلة، ولهذا يرى الراصد لملف الصحة العقلية والسلوك الجنائي والإجرامي تبايناً يصل إلى حد التناقض الصارخ فيما بين الولايات، لا بل والمقاطعات في الولاية الواحدة طبقاً لمن هو في السلطة، جمهوري محافظ أم ديموقراطي ليبرالي.

الكارثة في الجانبين هو الخوف من القطيع وسطوة “كوروبوريت ميديا”، بمعنى مؤسسة الصحافة الطاغية مالياً ومهنياً على الجميع، الطامة الكبرى وصلت إلى استهداف من كتبت له النجاة من الأجنة فلم يصبر عليهم اليسار المتوحش المنحل للتخرج من دور الحضانة حتى يتحدث إليهم أساتذة “ناشطون” عن الجنس خلافاً لما هو متعارف عليه ألاف السنين عبر الحضارات البشرية في سائر أنحاء المعمورة، تخيل أطفال في السادسة يعيشون قلقاً حول هويتهم وميولهم الجنسية.

ولو نجى الجنين والطفل من هذا وذاك، داهمت المخدرات حدود البلاد والأحياء إلى المدارس والأندية الرياضية وحتى دور العبادة، استهداف فلذات الأكباد في العالم الحر الذي يمتلك أقوى ترسانة عرفتها أعتى الإمبراطوريات في التاريخ يبدأ م ن الصفوف الابتدائية، الكارثة أن كثيراً من تلك السموم تصل تحت أنظار الأهل وعبر تطبيقات الهاتف “الذكي”، كل أجهزة الاستخبارات والأمن لم تعد قادرة على سد ثغرات المجرمين الذين يتراسلون عبر صور “أموجي” لا تراسلاً نصياً لتحديد أي أنواع السموم مطلوب وكم وكيف ومتى.

فعن أي صحة عقلية نتحدث طوال مايو أمريكياً، أو يوم العاشر من أكتوبر عالمياً؟ لا أمل ولا خلاص إلا في عشر حرموا دخولها المدارس باسم العلمانية، الوصايا العشر التي من أهمها تحريم القتل (الإجهاض والإعدام).

صحيح لا ينبغي فرض الدين أي دين على أي مواطن في دولة المواطنة، وصحيح أن مؤسسات الدولة يجب أن تكون عصية على توظيف أي دين لها، وصحيح أن المدارس ليست دور عبادة، ولكن لم يكن في بال مهندسي الأمة الأمريكية، الآباء المؤسسين الذين يؤمنون بربٍ ضابط الكل وإله خالق العالمين وكل شيء وأنه هو وحده واهب الحياة ومانح الحقوق وضامنها، لم يكن في بالهم قطعا أن تُمنع الصلاة ومعرفة الله في المدارس ومؤسسات الدولة والمجتمع، معرفة تنويرية تنم عن محبة وخدمة وشركة، محبة تجمع ولا تفرق، بحيث تعظم ما تجتمع عليه الأديان والمذاهب والحضارات والثقافات في بلاد أريد لها أن تكون بوتقة صهر “ميلتينغ بوت”.

أكثر ما يجمع عليه الناس، الله والأسرة والوطن، فانظر من يستهدفها فتعلم أين تقف..

هذه معركة وعي، السكون فيها إفراط والسكوت فيها تفريط..

وكل عام وحرية الصحافة بخير الذي صادف في الثالث من الشهر الجاري!..

 

*كاتب ومحلل سياسي – مدرب مع برنامج الدبلوماسية العامة في الخارجية الأميركية ..
المقال يعبر عن رأي الكاتب ..
عنوان الكاتب على basharjarrar : Twitter
 

صفحتنا على فيس بوك

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى