اقتصادالعناوين الرئيسية

أزمة الطاقة العالمية تلقي بظلالها على تونس

تُواصل تداعيات الأزمة العالمية للطاقة ونقص السيولة في رسم ملامحها على خارطة المعيشة اليومية للتونسيين الذين يكابدون من أجل البحث عن مواد أساسية تتسع قائمتها يوماً بعد يوم.

فبعد السكر والزيت والحليب والقهوة والبنزين، التحق غاز الطهي بقائمة المواد المفقودة في تونس أو الصعبة المنال، إذ يواجه معظم سكان محافظات الجنوب شحاً في قوارير الغاز منذ أيام.

وأجبر هذا النقص المواطنين على الوقوف لساعات في طوابير طويلة أمام محطات التوزيع. فيما لجأ بعضهم إلى أساليب الطهي التقليدية كالحطب لتأمين حاجته من الغذاء والتدفئة.

وتعاني تونس منذ مدة من أزمة غير مسبوقة في السيولة تفاقمت أكثر مع ارتفاع أسعار الطاقة بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتأخر الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي الذي قد يُرّحل إلى بداية السنة المقبلة. في وقت تتسع فيه رقعة عجز الموازنة لتصل إلى 9.7 مليار دينار (ما يعادل 3 مليار دولار)، بحسب قانون المالية التعديلي الصادر حديثاً.

وتنتج تونس محليا نحو 50 في المئة من حاجياتها الاستهلاكية من الغاز، ما يضطرها إلى إلى استيراد أكثر من نصف الكمية من الخارج وخاصة من القطر الجزائري.

طوابير الغاز تَخلف طوابير البنزين

ويُمثل غاز الطهي المدعوم من الدولة عنصراً أساسياً في مشتريات عدد كبير من العائلات التونسية خاصة القاطنة في المناطق الداخلية غير المربوطة بشبكات الغاز الطبيعي، ما يجعل فقدانه يُسبّب أزمة حقيقية بالنسبة لهؤلاء.

وقال التونسي فوزي اللومي (49 سنة) الذي يسكن في مدينة صفاقس (عاصمة الجنوب) إنه بقي دون غاز لمدة 3 أيام، وأنه عثر على قارورة بعد رحلة بحث مضنية ووقوف أمام الطوابير.

وأضاف في تصريح لـ “سبوتنيك”: “اضطررت في النهاية إلى شراء اسطوانة غاز بـ 16 دينارا (بزيادة 7 دنانير عن سعرها الرسمي)، لأنه لا خيار آخر أمامي. فنحن نستخدم الغاز المنزلي في الطبخ والتدفئة والاستحمام”.

ويؤكد رئيس الغرفة الوطنية لموزعي قوارير الغاز المنزلي محمد المنيف، في تصريح لـ “سبوتنيك”، أن التونسيين وخاصة متساكني الجنوب يجابهون أزمة نقص الغاز المنزلي منذ نحو 5 أيام.

وأشار المنيف إلى أن الأزمة تعود بالأساس إلى نقص المنتوج في مراكز التعبئة في جهة قابس التي توقف بعضها عن النشاط بسبب تأخر البواخر عن افراغ حمولتها وهو ما منع المزودين من تزويد بقية المحافظات بالغاز.

معضلة سيولة

ويضيف المنيف: “المعلومات التي بلغتنا تفيد بأن البواخر رست في المياه الإقليمية التونسية منذ أسبوعين ولكنها امتنعت عن إفراغ حمولتها من الغاز المسال لأن الدولة التونسية لم تسدد مستحقاتها”، مؤكدا أن باخرة واحدة دخلت أمس وأن حمولتها قد لا تكفي لحل الإشكال.

ويشير خبير الطاقة التونسي غازي بن جميع، إلى أن كمية الغاز الموجودة في تونس لا تكفي لسد الحاجيات الاستهلاكية وأن الانتاج المحلي لا يغطي سوى 40 في المئة من هذه الحاجيات.

وأضاف في حديث لـ “سبوتنيك”: “تستورد تونس 60 بالمائة من حاجياتها من الغاز من الجزائر، ثم تتولى مراكز قابس وصفاقس تعبئته ومن ثمة توزيعه. ولكن الإشكال يتمثل في نقص السيولة وتراكم ديون الشركات الجزائرية لدى الدولة التونسية والتي ناهزت العام”.

وأوضح بن جميع أنه عند حدوث نقص في الكميات المستوردة، فإن الأولوية لا تعطى للغاز المنزلي وإنما تعطى للشركة التونسية للكهرباء والغاز التي تعتمد على الغاز بنسبة 95 في المئة في إنتاج الكهرباء.

ويتوقع بن جميع تواصل أزمة الطاقة العالمية وأزمة الغاز إلى حدود الأشهر الأولى من السنة المقبلة، بالنظر إلى الوضعية الهشة للمالية العمومية وعدم تسجيل تحسن في المؤشرات الاقتصادية وتأخر الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي الذي قد يوقع بداية السنة المقبلة، بحسب قوله.

خطة ممنهجة لرفع الدعم

ويتفق الخبير الدولي في الطاقة، رضا مأمون، مع بن جميع في أن أزمة الغاز مرتبطة بالأساس بوضع السيولة في تونس وبالإمكانيات المادية للدولة التي لا تسمح بالاستيراد.

ولكنه يشير في المقابل إلى أن هذا النقص مرتبط أيضاً بسياسة الدولة التي تتجه نحو إلغاء الدعم عن المواد الأولية من الغذاء والطاقة.

ويضيف مصرحاً لـ “سبوتنيك”: “من المعلوم أن الغاز المنزلي يندرج ضمن المواد التي تدعمها الدولة، ومن الملاحظ أيضا أن جل المواد المُدعمة فقدت من الأسواق على غرار الحليب والقهوة والسكر والزيت”.

ويعتقد بن جميع أن النقص المسجل في المواد المدعمة ممنهج، بدليل أن معظمها عاد إلى السوق ولكن بأثمان مرتفعة، وهو ما يعني إلغاء الدعم عنها بطريقة ضمنية وغير معلنة.

وبسبب أزمة الطاقة العالمية يتوقع بن جميع زيادة مرتقبة في أسعار الغاز المنزلي في الأيام المقبلة، علما أن وزارة الصناعة والمناجم والطاقة قد أعلنت منذ أسبوعين الترفيع في سعر أسطوانات غاز الطهي بـ 14% والوقود بـ 3%.

وتبرر الوزارة هذه الزيادات بالضغوطات التي تتعرض لها لتغطية مختلف حاجيات السوق المحلية، في ظل تواصل ارتفاع أسعار المحروقات في السوق العالمية بسبب العقوبات المفروضة على خلفية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وما تشهده أسواق الطاقة من اضطرابات في الإمدادات وارتفاع كلفة المواد البترولية.

وتُواجه تونس، في الآونة الأخيرة، صعوبات في تأمين واردات القمح والطاقة بسبب ارتفاع أسعارها من جهة وهشاشة المالية العمومية من جهة ثانية، مصحوبة بانخفاض قيمة الدينار التونسي.

صفحتنا على فيس بوك  قناة التيليغرام  تويتر twitter

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى