أحاديث متقاطعة .. أحمد علي هلال

|| Midline-news || – الوسط …
.
ستبدو هذه العبارة –تلك الأيام- عزاءً عما مضى وسيمضي، بقدر ما هي طلقة حنين لها لأنها لا تمضي إلا وتحتفظ بشيء نستعيده حلماً، كان سومسرت موم وهو يكتب عن أيامه العصيبة، لم يكتب عن زمن بعينه وإن خاتل قارئه بتعيينه والمكان، كما شأن الروائيين وكاتبو السير حينما يوجهّون قارئهم المحتمل إلى زمن بعينه وهم يقصدون غير زمن يتوسلوه بالحلم والشغف والانتظار..
لكن تلك العبارة الأثيرة المكتفية بميراث عميق من شغفها الخاص مازالت تتواتر في يومياتنا وأحاديثنا المتقاطعة على إيقاع أغنية الجميل زياد الرحباني بفارق جوهري: «هو أن الغني يعطي الفقير!» وكأن الأغنية قد أصبحت تميمةً ومأثرة لزمن أصبح العطاء فيه نادراً، زمن تُدهش المفارقة من ذاتها ونبحث في الجديد تحت الشمس وما سوى الشمس ذاتها هي الجديد التي سنرسمها على الدروب/ دروبنا المتقاطعة كما كلماتنا المتقاطعة في زحمة المتناقضات العجيبة، والتي لم تفض يوماً من خيال مؤلف عتيد بل جاوزته، ليذهب في تأملات حارقة تُختزل بتلك الجملة الساحرة والغامضة بآن معاً ماذا لو، كم لهذا التعبير من شجون محتدمة تتطير مثلاً إلى ما يشاهده الناس اليوم من أعمال درامية تظهر الخيانة وكأنها وجهة نظر، لا سيما الخيانات الزوجية، التي تواضعت مبرراتها وتهافت اقناعها!
سيقولون هكذا هي الحياة، وهذه مناطقها الرمادية حتى يستوي الكأس بنصفيه الفارع والملآن، فهل الحقيقة هنا أم هناك أم تراها موزعة ما بين التخوم والأقاصي، وطلاب –هذه الحقيقة- يتندرون «بسلم القيم الاجتماعية» كيف اختلّت درجاته وتفاوتت طبقاته، وثمة من الكتّاب من اعتبروا أن ذلك محض كابوس، وكأنهم يستبطنون ما تفعله الحياة بتقطيرها للشقاء في النفوس والنصوص، ويذهبون إلى غيبوباتهم الواعية كما يفعل سائر الناس في هذه الأيام، فهل ستصبح هذه الأيام هي تلك الأيام!، وكم للحلم من دورة حياة… ؟
يقول حالم ويردف آخر: هل بتنا أمام مشاهد سريعة من يوم القيامة، لأن ما يجري يصعب تصديقه ليس جراء ما فعله بنا السيد «كوفيد 19»، وما جره من ويلات صدعت حتى منظوماتنا القيمية، فأصبح الجشع هو القناعة وأصبح الحب هو الكراهية، وأصبح الصمت هو الكلام وأصبح الجوع هو الشبع الأخير، وأصبح الموت هو الحياة… وكأننا في حضرة الرواية الباذخة 1948، للباهر جورج أورويل حينما استبق زمنه ليكتب عن أزماننا هذه، وما الذي يشبهها إذ هي تشبه ذاتها تماماً.
هذا العالم حقاً وصدقاً أصبح بلا خرائط، لكن الأدل هو أن خرائط جديدة تُرسم في النور وليس في العتمة، وعليها تتوقف لعبة المصائر لتصبح الحياة معجزة، ليس بفعل ما نتنفسه من هواء بفعل حصتنا منه، بل بفعل وقوفنا بثبات على ما يتاح لنا من أرض وحلم وكلمة، كأودية تختزن ينابيعها لعطش أرواحنا، كما أيامنا، التي تنوس بين برزخين: تلك.. وهي.