أبيض، أسود .. أحمد علي هلال

…الوسط – midline-new
ثمة إشارة دالة يفيض بها الفضاء الأزرق، ليس جرياً في إثر مناسبة بعينها، بقدر ما هي فكرة حالمة لاستعادة (الزمن الصافي).
يا لها من فكرة مخاتلة حينما تُحدُّ بلونين لا سواهما مع ما يضايفهما من مشتقات الحنين والبراءة والأحلام البكر، واللحظات المستعادة من أفواه أزمنة هاربة، صورة أو فكرة أو لقاء أو زياً فكرياً أو سواه، لماذا الآن نعود إلى تلك الذاكرة (البيضاء) هل هي مواساة لزمننا الهارب بلحظاته وأحلامه وارتطام أمانيه، أم لنستعيد ذاكرة لا تتكرر كما هو الحال لمن يحجّون لذاكرتهم فيمسّدون بالشغف وحده ذلك النزوع والأدل ذلك التطير إلى مالا يتكرر من ماض لا يعود وإن أرغمناه على العودة سيعود برمزيات بعينها، ستعني في اللغة فكرة نتوسل القبض عليها وتأبيدها في اللاوعي الفردي والجمعي، فعودة سياق تاريخي بعينه لا تعني عودته الكاملة، بقدر ما ترقى إلى الوله واستيهاماته، ولواعج الحنين وما أكثرها، أو انفتاحها –الرمزيات- كمعادل لحاضرنا؟
إذن نحن محكومون (بالنوستالجيا) التي تفيض على واقعنا بمتخيلها، فكم نطرب لأغنية انطوت مع زمنها، أو لكتاب من زمن الورق تحن إليه الأصابع وتكاد تذيبه، لتمسك حروفه وترصعها على سماوات عالية، وكم وكم…
إنه زمن الصورة بامتياز، والتي لا تحدها الكلمات مهما غُلفت بالشروحات الأنيقة اللغة، ليُصار إلى تداولها والترنم بها، تماماً كما يجمع العازف حروف نوتته ليشير بأصابعه للعازفين بعاصفة لحن شجي، تماماً كما فراشة تتنقل بين الزهور ليس من زهرة بعينها لتقف عليها، إلا لتصبح هي مجاز كل الزهور.
أبيض.. أسود ستصبح في منظور حياتنا الراهنة إما أن نكون أو لا نكون كما ذهب شكسبير ذات مسرحية، لكن الأدل هنا اتساع قوس قزح الأفكار، لتأتي بالأزمنة الملونة حيواتٍ مختلفة ستعني: ماضٍ لم يمضي تماماً، وحاضر يصعب تصنيفه، ومستقبل على أفق انتظار.
.