واحكم عليَّ بما تشا.. أحمد علي هلال

واحكم عليَّ بما تشا.. أحمد علي هلال
كان على الشعر أن يقطع مسافة باهظة الحلم ليعيد تأليف كينونته، وليبرع في افتراع فراديس رؤيته، إذ الرؤيا ما يمكن لها من أن تذهب في إثر طرائد الشاعر ومحكياته وجدلياته وثنائياته، حيث الأسماء دلالة الأفعال وما بينهما سيزين الشغف وحده جيد الكلمات..
وهكذا سيدع الشاعر والمسرحي والمخرج والفنان هشام الكفارنة للقارئ الحكم عليه مغلباً في العنوان: واحكم عليَّ بما تشا.. تلك الطاقة الغنائية الباذخة المشبعة بتراتيل العشق والصبوات واستنهاض الألفة، هو في مغامرته الشعرية الثانية -بعد انقطاع- يستأنف ويؤسس من جديد لبوصلة المعنى راسماً خرائطه الجديدة لتنهض لغة بصيرة، لغة يألفها القلب وتساررها المفردات:
«لي ولي ولي/ لي في رحابك لهفة/ ليلي ونهر صبابة/ شغف ولي ولي شرفة وزنابق/ لي ولي ولي/ ولهن ولي صبحي وألف قصيدة/ وجديلة/ تروي بأني منذ رأيتك يا غزالة عاشق».
.

كيف لهذا العشق ألا يكون بمرئياته ذاتاً وقصيدةً وآخر والتفعيلات الصادحة تنوع في مسافات الصوت والصمت تكراراً عاطفياً يحمل غنائية الذات لتكون الآخر وما بينهما كون دلالي ناهض بالعلامات والإشارات وكيمياء الشغف، باشتعالات الوريد والحلم طليق، ولتنهض تلك العمارات النصية بأوتارها لتعضد الحضورات الأكثر التحاماً بالوعي والذاكرة.
هكذا يحمل الشاعر –كفارنة- بلاغة الأشياء ليعيد للغرام أسئلته واشتقاقاته محكم بفنونه وتورياته وكثافة ايحاءاته ونداوة ظلاله، فهل هي ثمالات الوجد من تأخذنا إلى افتراعات البلاغة ليكون المساء حنوناً:
«مساء جميل / كحرف تهادى على ثغر طفل رضيع/ كوجه نبي لأمي/ وألمى التي قد أنادي عليها وقد لا تطيع/ مساء فسيح/ إذا ما أناخت صروف/ تمادى الكسوف/ فصار المنادي يصيح/ أفيقوا فقد طال هذا المنام/ مساء يمام/ لهذي البلاد التي لونت عاشقيها بحزن كريم/ لها.. ها نصلي وما رغبة في ثواب ومرحى/ ولا رهبة من عقاب لئيم/ سيصلاه هذا المساء الحرون/ مساء حنون».
وأبعد من تعريف بعينه للشعر وطرائده الأثيرة، يقرأ الشاعر زمنه ويسافر فيه كما عطر خفيف توزعه أصابع الروح على جيد النصوص، أو ترشها ملحاً على العمر الذاهب إلى الذاكرة بأسماء حميمة ولحظات ذات اشتعالات فاتنة.
*كاتب وناقد فلسطيني – سوريا
.
- لمتابعتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews