هل يرحل البحر يا حيدر؟ … البحر يكمل دوررته السرمدية، بين الأرض والسماء … يشرق كمرايا النار ….
كان حلمي أن التقيه منذ كنت صغيرة، فرواياته تمثل لي العالم، أنتعش بكل حرف يكتبه، وأرسم منه عالمي الخاص، كوني أعشق البحر. .
التقيته أخيراً من خلال برنامج “إبداع” الذي كان يبث على الفضائية السورية، بإشراف الإعلامية والكاتبة ديانا جبور (كانت يومها مديرة التلفزيون). أنجزت عن مسيرة حياته الابداعية فيلماً وثائقياً وكان من أجمل المحطات في حياتي، لأنه علمني أبجدية جديدة اسمها أبجدية البحر، أبجدية السكون والضجيج، أبجدية الضوء. .الروائي السوري الراحل حيدر حيدر
.
التقيته ذات صباح في بيته الهادئ البسيط المسيج بالورود المليء بالمحبه وجمر البخور، بيته الذي يسامر كتف البحر في “حصين البحر” بمدينة طرطوس، وكأنني التقيت البحر بكل أبعاده، عمقه وأسراره وصمته وسكونه وهيجانه.. وبشواطئه ورمله وشطآنه، وبكنوزه الدفينة، بصدفاته ومحاره ومرجانه وزمرداته اللازوردية التي تسكن قاع البحر، بحصاه التي تخبىء بين عتباتها حكايا الجلنار.
التقيت الأديب والروائي حيدر حيدر، فالتقيت البحر، ليستقبلني بعبارة: البحر هو الحياة، هو الذي يطهرني من كل الآثام، يحتويني ويولدني في كل لحظة من جديدن قلمي مداده من ماء البحر، وأحرفي من وهج قطراته، وصفحاتي من شطآنه..
أنا البحر
كلمات لا أنساها محفوره في ذاكرتي وشماً سرمدياً.. .
رحل جسداً ! لكن هل يرحل البحر؟
هل يرحل قلمه وكلماته وأوراقه وفكره وإبداعه؟
رحل وبقي (الزمن الموحش) الذي نثر ألمه على صفحاته الصفراء..
رحل وستبقى (شموس الغجر) تشرق في حياتنا كل ترتيلة فجر..
وستبقى أعشاب البحر تطفو على كبد السماء بين الكواكب والنجوم ترتل نشيد الصباح المسكوب عطره من سحر بوح ألقه. وستبقى كل كلمة كتبها هي وليمة فكرية وثقافية وإبداعية لنا وللأجيال القادمة.
وسنبقى نردد معه نشيد الحياة رغم الألم.. وسيبقى الفهد وحكايا النورس المهاجر مرايا النار في حياتنا تقينا صقيع الزمن الموحش.. وسيبقى يطل علينا من حصين البحر كلما لاح للبحر شفق السنونوات التي لم ولن تهاجر من سمائنا.
.
هل يرحل البحر يا حيدر؟
لا ..
فارقد بسلام، لأن البحار والمحيطات لا ترحل، والأمواج لايهمد ضجيجها، وقطرات البحر تكمل دورتها السرمدية بين الأرض والسماء. .