نحن في شرقٍ أرضه مغمورة بطبقات كثيفة من الإسلام إلا انها من أكثر بقاع الارض بحاجة الى بذرة الله
قمر الزمان علوش …
خاص – || Midline-news || – الوسط ..
قبل ثلاثين عاما أو أكثر قرأت رواية ” موبي ديك ” للروائي الامريكي هيرمان ملفيل ، في هذه الرواية الضخمة استوقفتني يومها فقرة على لسان الراوي بقيت في ذاكرتي طوال تلك السنوات ، بارزة فوق كل ماعداها من افكار مدهشة وقيم انسانية واسعة الطيف .
بالأمس تذكرتها وانا أكتب عن حال الأمة فعدت الى تلك الرواية لأنقلها كاملة كما جاءت في النص : ” أكن أبلغ احترام نحو الفروض الدينية التي يمارسها أي امرىء كان مهما كانت مضحكة ، لاأعترض على دين أي فرد مهما كان حاله مادام ذلك الفرد لايقتل غيره ولا يهينه من أجل أن غيره لايشاركه ايمانه ، ولكن حين يصبح دين المرء مثيرا للسخط ، حين يكون مصدر عذاب لصاحبه ، حينئذ أعتقد بأن الوقت صالح لننحي صاحب ذاك الدين ناحية ونناقشه في معتقده ” .
ذهبت الى النت وطلبت الموسوعة الحرة لأرى تعريفها لهذه الرواية وهذا ماتقوله : ” رواية صدرت في امريكا عام 1851، تدور حول صراع تراجيدي بين حوت وانسان ، تتخذ من هذا الصراع الضاري وسيلة لتأمل الوضع البشري وعلاقته بالوجود .
أما المشروع الامريكي فقد وجد في عمل ملفيل هذا شكلا من أشكال التعبير عن نفسه في منتصف القرن التاسع عشر ، أي حين كانت امريكا تكتشف ذاتها كقوة كونية وامبراطورية امبريالية امريكية بالقوة والامكانات ، فكانت هذه الرواية بمثابة نبوءة لما ستصير اليه هذه القوة الكامنة ” .
أجل تلك الفقرة بأسطرها القليلة هي كلمة السر في عظمة امريكا اليوم ، وبرأيي انها لم تتنبأ بهذه العظمة بل صنعتها ، فالرواية توقعت ولو بشكل غامض كيف سيحيد قادة امريكا التاريخيون بهذه العظمة الامبراطورية عن المسار الانساني الطبيعي ليصبح بمقدور الانسان ان ينعم ويتمتع بالمدن والحضارة ومعطيات العصر التكنولوجية ولكن ليس دون دفع ثمن مقابل ذلك وغالبا ما يكون الثمن هنا جزءا من الروح .
أين نحن العرب والمسلمون من كل هذا اليوم ؟ نحن في شرقٍ يعرفه القاصي والداني غارق في الوحول المتحركة والازمات المستعصية ، ارض شاسعة رغم انها مغمورة بطبقات كثيفة من الاسلام الا انها من أكثر بقاع الارض بحاجة الى بذرة الله ، بلدان تستوطنها مجتمعات مفككة ضائعة وأنظمة عقيمة وايديولوجيات شائخة ، واخيرا اجتهدت عبقريتنا فأنتجت للعالم الارهاب الذي حول الارض الى عربة موتى تنقل الموت من مكان الى مكان آخر ، وأصبح أكثر مانطمح اليه هو حرية اختيار كابوسنا الخاص .
العالم كله يتقدم ونحن نتراجع الى الخلف ، باتت حالتنا تلامس الحضيض وأدنى ، وأسوأ من فينا اولئك الذين يصمتون ليحجبوا عن الأبصار رؤية الحقيقة ، واولئك الاسلاميون الذين ببلادة حسهم يحطمون عالمنا الاسلامي ويغتالونه ، انهم يخافون من فقرة هيرمان ملفيل تلك ، يكرهون كلمة السر تلك التي صنعت عظمة امريكا لأن العظمة تصنع بشرا وهم يريدون قطعانا في حظيرة ، لأنهم لاشيء ، من هنا تأتي امتيازاتهم وأهميتهم ، أن يبقى المسلم انسانا بلا تفكير شهوانيا غرائزيا غيبيا مؤمنا بالخرافات وذا تعصب أعمى ، ودائما هناك خيط رفيع يفصل بين تدينه وبين ان يصبح ارهابيا قاتلا على الطريقة الوهابية .
هل نترك هؤلاء المشعوذين يتلاعبون بمصائرنا الى أبد الآبدين ؟
هل لايزال الحوار معهم مجديا ؟
في المقالة القادمة سأحاول الاجابة على هذا السؤال .