نحاس جبلي على ليالي دمشق .. حفل أوبرالي مفتوح على السماء
طارق عدوان – دمشق ..
|| Midline-news || – الوسط ..
من على أحد الأسطح في منطقة من مناطق العشوائيات أعلن و صاحبه وشريكه في التجربة ، نحلة البزق الرشيقة ” إياد عثمان ” ، حفلاً أوبرالياً مفتوحاً على السماء ، سماء دمشق ، عند تصوير كليب لإحدى المقطوعات الفيروزية بتوزيع جديد وقريب ، ( ما أسهل الإنتاج إذاً ، وما أكثر الأفكار ، عندما تتوفر النية ) .
تحتار عند المشاهدة هل تسمع بعينك أم ترى بأذنك ، هل تندب أم تبكي أم تنتشي أم تطفئ كل شيء حتى نور العيون ؟ ، والصوت مفتوح على السماء ، و الفقر ، وحكايا الحب و الحرب ، و الدم السخي .
تصنع سبطانات الأسلحة من الفولاذ عادةً ، ومن الفولاذ أيضاً يصنع وتر البزق ، ويصنع من النحاس الشيء الكثير من السلاح و الجمادات الثقيلة الجافة المسحوبة الروح ، ومنه أيضاً يصنع الترومبيت .
في ليالينا التي تكحلت بحمرة الفقد و الضجر والدمع ، وأخذت فيها المدن و النفوس تخلع عن بدنها أثوابها موسيقا إثر موسيقا ، كان لابد من معدن ثقيل يحول كل هذا الموت اللامشتهى إلى حياة ، ولو بالحد الأدنى من التمسك بما تبقى من حب و جمال على هذي الارض .
النحاس ، بين أيدي سبَّاكٍ ماهر اسمه ” نزار عمران ” ، ينفخ فيه من روحه ليعلن حُقَن الانعاش الموسيقي الحقيقي سلاحاً ضد السخف و الزيف والموت ، ليعلن ولادات عنيدة للروح السورية ، أبدية مثلما هي أزلية .
كيف لا وقد قذفت بنزار سنديانة جبلية في مصياف ، التي خزن ريحها العاتية في بلعومه ورئتيه وقلبه ، إلى دمشق ومنها إلى أصقاع العالم ، قافلاً إلى سورية في سنوات الحرب ليحارب بنحاسه النبيل ، ويعزف على نية إعادة إحياء الذاكرة ، أو تشكيل أُخرى لا تقل أصالةً ، ذاكرةٌ للمستقبل بما تيسر من هواء ، صالح للتنهيد و الزفير القسري .
ترومبيت نزار ذو الربع المفاجئ النادر ، الذي كان كحلاً مرافقاً للسيدة فيروز في أغلب حفلاتها ، صاحب الارتجالات القريبة من الروح و البنية الشكلية للمقام الشرقي على آلته الغربية الرحم مع المعلم ” زياد الرحباني ” .
المؤلف و العازف العارف المصر على البقاء على قيد الموسيقا و العشق ، الذي يكفيك أن تتابع صفحته على الفيس بوك أو قناته على اليوتيوب ، لتدرك كمَّ الأستذة والترف بالارتياح على الآلة و الجملة ، لتدرك أنه كم ( شكراً ) يجب أن تقال له و لأمثاله ، النافخون بصور الرنين ليعلنوا قيامة الحب في وجه السيف و الساطور وعتاة الأرض ،
أمسيته الأخيرة في دار الاوبرا منذ أيام كانت توقيعاً آخر على التواجد و النبض السوري الأصيل ، أمتعَ وبث الحياة في روح الحاضر و المشاهد و السامع ، وأعادت نوعاً ما ذاك الضوء واللمع الذي كنا نغرق في شبر منه ، عشاقاً وحالمين .
نزار عمران ، شكراً وأنت الخارج على مارشات الفرق النحاسية ، حاملاً ريحانةً للحب والرثاء ، بثلاثة أزرار .