ماما إفريقيا، ماكيبا.. مراد داغوم

ميريام ماكيبا، دَخَلَتِ السجن وعمرها 18 يوماً فقط ..
Umqombothi هي نوع من البيرة المحلية يتم صنعها يدوياً في “جنوب إفريقيا” عن طرق تخمير الشعير وطحين الذرة، وكانت حكومة جنوب إفريقيا تحظر بيعها، ولذلك تم سجن الوالدة لمدة ستة أشهر بسبب بيعها هذه البيرة، فاضطرت إلى إدخال ابنتها الرضيعة معها إلى السجن عام 1932.
تلك الوالدة، حذرها الأطباء من أن أي حمل مستقبلي سيشكل خطورة على حياتها، وعندما حملت كانت الجدة تقول دائماً للأم Zenzile وهي تعني بلغتهم (تستحق) أو (مستاهل)، بمعنى أن هذا ما جنته هي على نفسها عندما حملت؛ وهكذا تمت تسمية الطفلة المولودة باسم Zenzile “زنزيل ماكيبا”، ثم تم تغيير الاسم لاحقاً إلى “ميريام”.
عندما كانت طفلة، غنت ماكيبا في جوقة معهد Kilnerton في بريتوريا، وهو مدرسة ابتدائية بروتستانتية سوداء بالكامل، التحقت بها لمدة ثماني سنوات. موهبتها في الغناء أكسبتها الثناء في المدرسة. تم تعميد ماكيبا بروتستانتيًا، وغنت في جوقات الكنيسة بالإنجليزية، وبلغات محلية: خوسا، سوتو، وزولو؛ قالت فيما بعد إنها تعلمت الغناء باللغة الإنكليزية قبل أن تتمكن من التحدث بهذه اللغة.
سنة 1949، اضطرت “ميريام” للزواج في سن السابعة عشرة، من جيمس كوبي، وهو شرطي تحت التدريب، وأنجبت منه طفلها الوحيد بونجي ماكيبا سنة 1950. ثم تم تشخيص ماكيبا بالسرطان، وتركها زوجها على الفور. وبعد عقد من الزمان تغلبت على السرطان عن طريق استئصال الرحم.
بدأت الغناء بشكل احترافي مع فرقة الإخوة الكوبيين Cuban Brothers، والإخوة مانهاتن Manhattan Brothers، ثم مع مجموعة The Skylarks النسائية بالكامل، التي تقدم مزيجًا من موسيقى الجاز والألحان الإفريقية التقليدية والموسيقا الشعبية الغربية، وقد رافقت ماكيبا تلك الفرق إلى العديد من البلدان مما أكسبها شهرة عالمية، إلى أن سافرت سنة 1959 إلى إيطاليا ونالت هناك استحساناً طيباً كانت نتيجته مشاركتها في فيلم إيطالي وثائقي مناهض للفصل العنصري بعنوان Come Back Africa ما أثار زوبعة ضدها من قبل حكومة جنوب إفريقيا التي أبلغتها أن عودتها إلى البلاد غير مرغوب بها.
شارك الفيلم في مهرجان البندقية السينمائي الرابع والعشرين، وفاز بجائزة اختيار النقاد المرموقة. وُصِف حضور ماكيبا القصير بأنه حاسم للفيلم، كرمز للهوية السوداء العالمية التي ارتبطت أيضًا بالسود من الطبقة العاملة بسبب الحوار الجاري بلغة الزولو.
كان قرار حكومة جنوب إفريقيا بمثابة خدمة رائعة لميريام ماكيبا حيث نالت بعده ثماني جنسيات عالمية، ثم انتقلت مع المغني الأمريكي Harry Belafonte إلى مدينة نيويورك. وهناك حصلت على جائزة Grammy عن ألبومها An Evening with Belafonte سنة 1965.
شاعت موسيقى ماكيبا أيضًا في أوروبا، وسافرت وغنت هناك كثيرًا. زارت كينيا في عام 1962 لدعم استقلال البلاد من الحكم الاستعماري البريطاني، وجمعت الأموال لزعيم الاستقلال “جومو كينياتا”.
في وقت لاحق من ذلك العام، أدلت بشهادتها أمام لجنة الأمم المتحدة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري حول آثار النظام، وطالبت بفرض عقوبات اقتصادية على حكومة الحزب الوطني في جنوب إفريقيا. طلبت فرض حظر أسلحة على جنوب إفريقيا، على أساس أن الأسلحة المباعة للحكومة ستُستخدم على الأرجح ضد النساء والأطفال السود. نتيجة لذلك ، تم حظر موسيقاها في جنوب إفريقيا، وتم إلغاء جنسيتها الجنوب إفريقية وحقها في العودة. وهكذا أصبحت ماكيبا عديمة الجنسية، لكنها سرعان ما حصلت على جوازات سفر من الجزائر وغينيا وبلجيكا وغانا. في حياتها، كانت تحمل تسعة جوازات سفر، ومنحت الجنسية الفخرية في عشر دول.
أما عن قصة حصولها على الجنسية الجزائرية، فقد دعاها الرئيس هواري بومدين سنة 1972 للغناء في احتفالات ذكرى الاستقلال، حيث غنّت باللغة العربية أغنية: (أنا حرة في الجزائر… انتهى زمن العبيد)، فمنحها بومدين الجنسية.
كذلك فعل “هيلا السلاسي” امبراطور إثيوبيا بعد أن دعاها لحفل تدشين “منظمة الوحدة الإفريقية” بصوتها، وكانت الفنانة الوحيدة التي تمت دعوتها. كذلك، منحها فرانسوا ميتران الرئيس الفرنسي وسام الشرف من رتبة فارس، واعتمدتها الأمم المتحدة سفيرة للنوايا الحسنة في عام 1999.
غنت ماكيبا كثيراً عن المحنة السياسية للسود في جنوب إفريقيا في ظل نظام الفصل العنصري، بما في ذلك العديد من الأغاني التي تنتقد حكومة جنوب إفريقيا، مثل ” Watch our Verwoerd” ، في إشارة إلى Hendrik Verwoerd وهو أحد مهندسي الفصل العنصري، تم بيعها على نطاق واسع ورفعت مكانة Makeba في الولايات المتحدة؛ غالبًا ما يتم بيع حفلات ماكيبا وBelafonte بعد إصدارها مباشرة.
وفي سنة 1967 أطلقت أغنيتها الشهيرة Pata Pata التي انتشرت في أصقاع المعمورة، أذكر كما يذكر أبناء جيلي أن التلفزيون السوري كان يبثها باستمرار وقد أحببناها لغرابة ألفاظها وللحنها البسيط الجميل وإيقاعها الراقص وأسلوب ماكيبا المتغير ما بين الرقة والوحشية في اللفظ والغناء. لكن شهرة أغنية Malaika تخطت ذلك بكثير، وهي أغنية للتنزاني (آدم سليم Adam Salim) لحنها سنة 1945.
بعد أن أدلت بشهادتها ضد حكومة جنوب إفريقيا في الأمم المتحدة وانخرطت في حركة الحقوق المدنية، وتزوجت في عام 1968 من Stokely Carmichael زعيم حزب الفهود السود، فقدت الدعم بين الأمريكيين البيض. ألغت الحكومة الأمريكية تأشيرتها عندما كانت تسافر للخارج، مما أجبرها هي وكارمايكل على الانتقال إلى غينيا. استمرت حفلاتها في معظم البلدان الإفريقية، بما في ذلك في العديد من احتفالات الاستقلال. بدأت في كتابة وأداء الموسيقى التي تنتقد الفصل العنصري بشكل أكثر صراحة. كانت أغنية “سويتو بلوز Soweto Blues ” عام 1977، التي كتبها زوجها السابق هيو ماسيكيلا، تدور حول انتفاضة سويتو.
بعد تفكيك نظام الفصل العنصري في عام 1990، عادت ماكيبا إلى جنوب إفريقيا. واصلت التسجيل والأداء ، بما في ذلك ألبوم عام 1991 مع Nina Simone وDizzy Gillespie، وظهرت في فيلم 1992 Sarafina !. تم تعيينها سفيرة للنوايا الحسنة لدى المنظمة في عام 1999. ونظراً للتداعيات الإيجابية التي أثارتها ماكيبا في وقوف العالم كله إلى جانب إفريقيا في نضالها ضد التمييز العنصري، أصر الأفارقة على تسمية (ماما إفريقيا) كلقب يصاحب اسم ميريام ماكيبا.
توفيت ماكيبا بنوبة قلبية خلال حفل موسيقي عام 2008 في إيطاليا، ويصادف اليوم العاشر من الشهر المقبل مناسبة مرور 15 سنة على وفاتها. بعد الوفاة قال رئيس جنوب إفريقيا السابق نيلسون مانديلا إن “موسيقاها ألهمت إحساسًا قويًا بالأمل فينا جميعًا”.
روابط:
أغنية Pata Pata – النسخة الأصلية 1967
https://www.youtube.com/watch?v=lNeP3hrm__k
أغنية Pata Pata – في آخر حفل في كيب تاون 2006
https://www.youtube.com/watch?v=dMA1EH-W2tk
أغنية Malaika 1969
https://www.youtube.com/watch?v=Q1UID0vEeqI
أغنية أنا حرة في الجزائر
https://www.youtube.com/watch?v=NBbtPTy8YYg&t=107s
*مراد داغوم – مؤلف وموزع وناقد موسيقي – سوريا