معضلة الإفهام.. أحمد علي هلال

|| Midline-news || – الوسط …
.
معضلة الإفهام.. من الثقافة إلى الإبداع!
من البساطة بمكان، أن يكتب أحد نصاً، ومن البديهي بمكان، أن لا يصل –النص- تماماً للجميع بذات المستوى، ولعل ذلك سيحيلنا إلى ثقافة التلقي ومستوياتها بحكم الفروق الفردية بين البشر ودرجات التأويل المنتظرة، وعليه فإن فهم مطلق نص لا يأتي من معايرة شكله فحسب، بل ومضمونه كذلك، وثمة من النصوص ما تستدعي غير قراءة إذ إن الفهم هنا ليس وليد الاحتكاك الأول مع النص، إنه علاقة حوارية مع مكونات النص وطبقاته حتى ولو كان مختزلاً أو مكثفاً، بغية الضبط والاقتصاد الأدبي.
صحيح أن لهذه -الإشكالية- جذور في تراثنا العربي الثقافي ومنه على الأقل ما قيل لأبي تمام: لماذا تقول ما لا يُفهم، ورده آنذاك لماذا لا تفهمون ما يُقال، لكن بتغير الثقافة كما أنساقها ومضمراتها وخطاباتها سوف تصبح مشكلة الإفهام لصيقة بثقافة القارئ وتكوينه المعرفي وقدرته ليس فقط على أن يحاور ذلك المنتج أو سواه، بل أن ينشئ نصاً موازياً ولذلك ظل طموح النقد لئن يكون إبداعاً موازياً، ولا يقيم كما يعتقد البعض على أنقاضه ويصبح خارج مجراته، بل سيمثل النص دالة التفكير وبنيته الذهنية والمعرفية والإدراكية التي تقتضي ما نصطلح عليه بتطييف الوعي، انطلاقاً من نص ذو حامل ثقافي لغة وخطاباً وطريقة في التفكير، وربما سيقول أحد ما إن معضلة الإفهام تبقى نسبية من ثقافة إلى أخرى ومن بيئة إلى أخرى..
هذا صحيح ولكن.. بيد أن الفهم ذاته هو مسألة مركبة خارج المباشرة في التلقي والاكتفاء بالانطباع العابر، وكناية عن عملية تندغم فيها صيرورات النص بصيرورات المتلقي على نحو خلاّق وأكثر استدعاءً للانصهار والتخمر والاختبار لا سيما وأن النص بات اليوم قطعة من روح صاحبه ، وبرهة كثيفة من برهات إحساسه الكوني بالعالم والأشياء، بل بالآخر الذي يقرأه ويشترك معه بإنتاج المعنى، فالمعنى هنا هو الحصيلة المشتركة جمعياً وفردياً لذاكرة البشرية وتاريخها الثقافي، ولنلاحظ مثلاً كم قيل وتواتر القول بأن المترجم خائن على مستوى الشعر، لكنها خيانة باتت مشروعة في ضوء ما ينجزه الشعر من معرفة تتعلق بطريقة تفكير الآخر وفهمه، على نحو يمنح الثقافات العالمية بعدها الإنساني المشترك خارج تعيينات بعينها، وانسجاماً مع خصوصيات بعينها، فثقافة الإفهام كي تصل إلى الأفهام، هي سيرورة ثقافية بامتياز لتصل إلى كليات النظر والعمل، كما القول في الموسيقى التي توحد التفكير في الأدمغة المختلفة.