اقتصادالعناوين الرئيسية

معركة شرسة بين اليابان والصين في تايلاند

تعد تايلاند واحدة من الدول الرائدة في منطقة جنوب شرق آسيا في تصنيع قطع غيار السيارات والسيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي وغالباً ما يطلق عليها اسم “ديترويت جنوب شرق آسيا” تشبيها بمدينة ديترويت الأمريكية التي كانت في وقت من الأوقات عصب صناعة السيارات في الولايات المتحدة والعالم.

مع هذا فإن المكانة التقليدية لصناعة السيارات في تايلاند تهتز الآن مع ظهور السيارات الكهربائية وما رافقها من تغير في تفضيلات المستهلكين.

على الرغم من ذلك فإن التحديات التي تتعرض لها صناعة السيارات التايلاندية لم تمنع من أن يتحول القطاع إلى ساحة لمعركة شرسة بين اليابان والصين معركة تصب في مصلحة تايلاند باستقطاب مزيد من الاستثمارات والتكنولوجيا المتطورة من الجانبين.

مستقبل مشرق

بدا هذا الصراع واضحاً في الحفل الذي أقامته شركة تويوتا عملاق صناعة السيارات اليابانية في العاصمة التايلاندية بانكوك أخيراً للاحتفال بمرور 60 عاما على أول استثماراتها في تايلاند إذ استعرضت الشركة اليابانية أول سيارة من طراز تويوتا تم تجميعها في تايلاند عام 1970 ووفقا لنص الكلمة التي ألقاها أكيو تويودا رئيس الشركة اليابانية في الحفل التي نشرت على موقع الشركة اليابانية على الإنترنت فإنه استعرض أول شاحنة كهربائية من تصنيع تويوتا للأسواق الناشئة التي سيتم إنتاجها في تايلاند لاحقاً وقال: مستقبل تويوتا وتايلاند مشرق وسيصبح أكثر إشراقاً.

ربما ينظر البعض إلى كلمات رئيس شركة تويوتا باعتبارها نوعاً من كلمات المجاملة والإطراء المعهود والمطلوب في تلك المناسبات لكن حقيقة التطورات التي تشهدها صناعة السيارات التايلاندية تكشف أن البلد يتحول إلى ساحة خلفية لكبريات شركات صناعة السيارات في اليابان، التي باتت الأكثر استثماراً في تايلاند.

تويوتا توظف275 ألف موظف  

فشركة تويوتا بمفردها تقوم بتوظيف 275 ألف موظف في تايلاند وتبلغ المساهمة الاقتصادية لهؤلاء العمال نحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي ومنذ شهر مارس 2022 استحوذت اليابان على 32% من رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في تايلاند ومع هذا فإن التغييرات الهيكلية في صناعة السيارات وفي الاقتصاد العالمي ككل تطرح تحديات أمام دور اليابان في تطوير صناعة السيارات التايلاندية.

أبرز تلك التحديات الصعود الصيني في مجال صناعة السيارات خاصة السيارات الكهربائية الذي بات يمثل لرؤوس الأموال اليابانية تحدياً جديداً وغير تقليدي لم تعهده من قبل في تايلاند إحدى إهم أسواقها الدولية في صناعة السيارات.

الصفقة الأضخم في تايلاند

فقبل عدة أشهر من حفل شركة تويوتا وقعت شركة بي واي دي الصينية لصناعة السيارات الكهربائية صفقة لشراء ما يقرب من كيلومتر مربع على الساحل الشرقي لخليج تايلاند لإنتاج السيارات الكهربائية وأهمية تلك الصفقة لا تقف عند ضخامة المساحة التي تم شراؤها وتعد الأكبر في تايلاند منذ ربع قرن أو أنه بفضل تلك الصفقة احتلت الصين الآن المرتبة الأولى كأكبر مستثمر في تايلاند في عام 2022 بعد أن احتلته اليابان لأعوام لكن الأهم أن الشركة الصينية ترمي إلى تحويل مصنعها في تايلاند إلى المركز الإقليمي لإنتاج السيارات الكهربائية على أن يبدأ الإنتاج العام المقبل.

من جانبه قال إل. دي كريس الخبير الاستثماري لعدد من صناديق التحوط البريطانية: إن الاستثمارات الصينية في تايلاند باتت مقلقة للغاية بالنسبة إلى اليابانيين وأغلب التقديرات تشير إلى أنه إذا لم يجر اليابانيون تغييرات نوعية في منطق تفكيرهم وأساليبهم الاستثمارية في تايلاند فإن الصين ستتفوق عليهم.

وأضاف: إذا نجحت الصين في إخراج اليابان من سباق صناعة السيارات في تايلاند فإن ذلك ستكون له ارتدادات على وضع صناعة السيارات اليابانية ككل وخلال العامين الماضيين قامت شركة جريت وال موتور الصينية لصناعة السيارات بمضاعفة استثماراتها في تايلاند للحفاظ على مكانتها الرائدة في مبيعات السيارات الكهربائية هناك ومنذ أن اقتحمت السوق التايلاندية قبل عامين قامت بتوظيف أكثر من ثلاثة آلاف موظف واستثمار 334 مليون دولار وخلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي باعت اكثر من ثمانية آلاف سيارة كهربائية في تايلاند.

لكن السؤال الذي يطرحه بعض الخبراء هل يمكن بالفعل للاستثمارات اليابانية والصينية إنقاذ صناعة السيارات في تايلاند من خلال دفعها إلى التحول من التميز في صناعة السيارات ذات المحركات التقليدية إلى السيارات الكهربائية؟

هنا ذكر المهندس جو رالف من قسم الأبحاث والتطوير في شركة فوكسهول البريطانية أن تغيير المشهد في صناعة السيارات التايلاندية لن يكون بالأمر البسيط أو اليسير وستواجه عملية الانتقال من صناعة السيارات ذات المحركات التقليدية إلى السيارات الكهربائية تحديا حادا وعقبة كبيرة بسبب التاريخ الطويل الذي تتمتع به تايلاند في تطوير سلسلة توريد لسيارات المحركات التقليدية وسيحتاج عديد من أصحاب المصلحة إلى تجديد مهاراتهم وإعادة تأهيل لإدارة الشركات ومهارات العمل، وهذا يستنزف الجزء الأكبر من الاستثمار.

ربما لهذا السبب تحديداً تخطط الحكومة التايلاندية لتحفيز المستهلكين على شراء المركبات الكهربائية من خلال إنشاء صندوق لدعم ما يصل إلى 20% من أسعار المركبات الكهربائية الجديدة كما أنهم يخفضون الضرائب على جميع أنواع المركبات الكهربائية وعلى الرغم من إعلان الحكومة التايلاندية خطة لجعل المركبات الكهربائية تشكل 30% من إنتاج السيارات بحلول 2030 فإن تلك الخطة تبدو أكثر طموحا من قدرة الواقع على استيعابها إذ لا تمثل السيارات الكهربائية أكثر من 1%من مبيعات السيارات الجديدة في البلاد.

مشكلة رئيسة تواجه تايلاند

وعلى الرغم من صغر هذا القطاع فإن العلامات التجارية الصينية تهيمن عليه حتى الآن وسط توقعات بأن يشهد قطاع السيارات التيلاندي مزيداً من المنافسة ليس فقط بين الصين واليابان إنما من مستثمرين آخرين مثل تايوان الذين أبدوا رغبة في اقتحام الأسواق التيلاندية وقد بدا ذلك جلياً بعد إعلان شركة فوكسكون التايوانية محاولة لإنتاج مركبات كهربائية في تايلاند بحلول العام المقبل.

المشكلة الرئيسة التي تواجه تايلاند أن المخططات الراهنة من قبل المستثمرين الأجانب ترمي إلى تصنيع السيارات الكهربائية من أجل الأسواق المحلية على أن تصبح البلاد المركز الرئيس في منطقة جنوب شرق آسيا لتصنيع قطع غيار المركبات الكهربائية مستقبلاً مع هذا فإن الكلمة الفصل بشأن من سيقود منطقة جنوب شرق آسيا في عالم السيارات وتحديدا الكهربائية لم تحسم بعد فهناك منافسة عنيفة تواجهها تايلاند من فيتنام وإندونيسيا بل إن بعض المستثمرين الدوليين باتوا أكثر انحيازاً لهذين البلدين مقارنة بتايلاند والسبب انخفاض الأجور وتوافر المواد الخام لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية وإذا أصبحت فيتنام أو إندونيسيا أكثر جاذبية في صناعة السيارات الكهربائية مقارنة بتايلاند فإنها يمكن أن تخسر ما بين 40 إلى 45% من حصتها في سوق صناعة السيارات.

بدورها قالت الدكتورة فاندا باريوت أستاذة الاقتصاد الآسيوي في جامعة ووريك: بالطبع تايلاند لديها مخزون أكبر من الاستثمار الأجنبي المباشر مقارنة بإندونيسيا وفيتنام لكن منذ 2014 تفوق البلدان على هذه البلد في جذب الاستثمارات إضافة إلى تفوقهما الديموغرافي على تايلاند فإندونيسيا يبلغ عدد سكانها 273 مليون نسمة وفيتنام 97 مليوناً وتايلاند 71 مليوناً وسكانها هم الأكثر شيخوخة في جنوب شرق آسيا بعد سنغافورة ومن المتوقع أن يظل عدد السكان ثابتاً ومن ثم بدون مزيد من العرض في سوق العمل سترتفع الأجور والسوق لا تبدو جذابة لزيادة الطلب على السيارات الكهربائية مقارنة بإندونيسيا وفيتنام بسبب عدد السكان.

وتبدو تلك التحديات منطقية لكن البعض يرى أنها تتجاهل جانباً مهماً يتمثل في تصاعد الصراع الصيني – الأمريكي في مجال التجارة الدولية ومع فرض الولايات المتحدة مزيداً من القيود على الصناعات الصينية فإن رؤوس الأموال الصينية ترغب في البحث عن منافذ أخرى يمكنها من خلالها اختراق الأسواق الأمريكية ومن هنا تأتي أهمية تايلاند بالنسبة إليها.

تحويل الإنتاج الصيني إلى تايلاند

بانكوك أحد الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة ومن ثم تحويل الإنتاج الصيني في صناعة السيارات الكهربائية إلى تايلاند يمكن بكين من الخلاص من التضييق التجاري الأمريكي على الصناعات الصينية تحديداً صناعة السيارات.

كما أن هذه البلد تمتلك قاعدة قوية من الخبرات في مجال صناعة السيارات التقليدية وبزيادة الاستثمار فإنه يمكن إعادة تأهيل قواها العاملة لتكون قادرة على التعامل مع متطلبات التصنيع للسيارات الكهربائية بل إن الصين تتبنى سياسة قائمة على ترقية المواهب المحلية إلى مناصب إدارية رفيعة المستوى ما يعني بناء علاقة أفضل مع المجتمع والحكومة التايلاندية.

وبالطبع فإن تدفق رؤوس الأموال الصينية إلى قطاع السيارات التيلاندي يعني أن اليابانيين سيواصلون الاستثمار هناك أيضاً إذ يصعب عليهم الخروج من هذه السوق التي طالما استثمروا فيها لأعوام وهو ما يصب في نهاية المطاف في مصلحة صناعة السيارات التايلاندية ومستقبلها.

المصدر: الاقتصادية

صفحاتنا على فيس بوك  قناة التيليغرام  تويتر twitter

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
الرئاسة التركية تتوقع تبني البرلمان بروتوكولا للتصديق على انضمام فنلندا للناتو.. فرنسا تفتح 15 تحقيقاً حول العنف المستخدم من قبل الشرطة ضد المتظاهرين.. المدعي العام بفنزويلا: التوسع في تحقيق مكافحة الفساد يسفر عن اعتقال عشرة مسؤولين و11 رجل أعمال وإصدار مذكرات اعتقال بحق 11 آخرين.. فرنسا: اشتباكات بين قوات الشرطة ومحتجين معارضين لمشروع إقامة أحواض ماء للزراعة.. دمشق.. تدين الهجوم الأميركي في دير الزور: متمسكون بإنهاء الاحتلال الأميركي وبسط سلطة الدولة السورية.. بوتين: اتفق مع الصحفي الأمريكي سيمور هيرش في استنتاجه حول ضلوع الاستخبارات الأمريكية في تفجير "السيل الشمالي".. دمشق: خسائر قطاع المياه في سوريا تجاوزت مليار دولار.. إصابة جنديين إسرائيليين في عملية إطلاق نار في بلدة حوارة جنوبي نابلس.. عشرات الآلاف يتظاهرون للأسبوع الثاني عشر على التوالي ضد حكومة نتنياهو.. و وزير الأمن يوآف غالانت يطالب بوقف فوري للتعديلات القضائية.. بوتين: سننشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا.. كما تفعل الولايات المتحدة في أوروبا".. مقتل6 مسلحين أجانب من تنظيم جبهة "النصرة" الإرهابية برصاص الجيش السوري جنوبي إدلب.. وسائل إعلام: نجاة وزير الدفاع اليمني من الاستهداف بطائرة مسيَّرة.. والذي كان برفقة رئيس هيئة أركان الجيش ومحافظ تعز.. العراق يكسب قضية تحكيم ضد تركيا بشأن صادرات النفط.. تتعلق بصادرات النفط من إقليم كردستان شمالي البلاد.. تونس: غداة الإعلان عن فقدان 34 مهاجرا غير شرعي من دول أفريقيا جنوب الصحراء بعد غرق قاربهم قبالة سواحل تونس.. الحرس البحري ينتشل 9 جثث.. الكرملين: بوتين وأردوغان يبحثان الوضع سوريا وتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.. انتقادات حادة لعنف الشرطة خلال التظاهرات احتجاجا على إصلاح نظام التقاعد فى فرنسا.. "تايمز أوف إسرائيل":الجيش الإسرائيلي على وشك "كبح عملياته" بسبب غياب جنود الاحتياط الذين يحتجون على خطط "الإصلاح القضائي".. مقتل 23 على الأقل جراء إعصار وعواصف بولاية مسيسبي الأمريكية.. قافلة تابعة للاحتلال الأمريكي.. بينها 80 صهريجاً يحمل النفط الخام المسروق من الحقول السورية.. توجهت عبر معبر الوليد غير الشرعي إلى شمال العراق.. دمشق... تستضيف الاجتماع الرابع لوزراء زراعة سوريا ولبنان والعراق والأردن.. وزير الخارجية الصيني: نرحب بالشركات الأميركية لتواصل توسيع استثماراتها في الصين.. ترامب ينظم أول تجمع انتخابي في تكساس رغم التهديدات باعتقاله.. بريطانيا تعلن عن خطة لنقل المهاجرين من الفنادق إلى قواعد عسكرية أو حتى عبارات مهجورة.. الرئاسة الفرنسية: ماكرون وتبون أنهيا الخلاف الدبلوماسي بين الجزائر وفرنسا.. طائرات مسيرة تهاجم موكب وزير الدفاع اليمني وأنباء عن سقوط ضحايا.. إعلام: رئيس مجلس النواب نبيه بري يبلغ السفيرة الفرنسية نيته الدعوة لجلسة انتخاب رئيس للبنان فور انتهاء "رمضان".. مفوضة حقوق الإنسان في مجلس أوروبا دنيا مياتوفيتش... تعرب عن قلقها "من الاستخدام المفرط للقوة ضدّ المحتجين في فرنسا.. مطالبة باريس باحترام حقّ التظاهر".. الإليزيه: ماكرون سيزور بكين بين 5 و8 نيسان.. وسيعمل مع نظيره الصيني لعودة السلام في أوكرانيا.. "يونيسف": أكثر من 11 مليون طفل يمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية.. قطر... تعلن دعمها للمبادرة الأردنية المزمع إطلاقها في سوريا.. والتي تقوم على دور عربي مباشر ينخرط مع الحكومة السورية في حوار سياسي يستهدف حل الأزمة ومعالجة تداعيتها..