ما بعد الحداثة بقليل … أحمد علي هلال

ما بعد الحداثة بقليل …
كان السؤال ماذا لو أصبح الشعر نتاج الآلة وإبداعها، لا الإنسان؛ كما الفنون وأجناس الإبداع؟.
تساؤل قديم أصبح اليوم أشبه بالحقيقة المطبقة في عصر التقنيات المتسارعة والتفجر المعرفي الهائل، الذي جعل من الإنسان هامشاً صغيراً أمام جبروت ما اصطلح على تسميته بالذكاء الإصطناعي، ولا عجب في هذا السياق حينما جهر كتّاب وعلماء اجتماع وفلاسفة بمقولات فادحة من مثل «موت الإنسان، موت المؤلف، موت القارئ».
.
وهكذا.. لا تنطوي المسألة هنا في استقراء هذا الموات واستبطان أبعاده بوصفه ظاهرة أكثر منها حقائق تُروى، أو تهيئ لها المناخات لإثباتها أو نفيها، صحيح أن ثمة مبالغة لا تحمد عقباها في التحذير من مخاطر ذلك الذكاء، وبالمقابل لا ينبغي التبسيط في هذه المسألة على النحو الذي نضع فيه أصابعنا أمام أعيننا.
.
إذن ما الحقيقة هنا إن لم تكن حقائق وليس من حقيقة مكتفية في عصر العلم بامتياز، عصر دهاقنة الإعلام والتقنيات والمعلومات، حدَّ تسّيد الآلة بشكل أو بآخر، فيما يبقى الإنسان «شيئاً» فحسب، مع اضطراد المخاوف والهواجس لا سيما على مستوى الإبداع وأجناسه المختلفة، وسنجهر بالمفارقة التالية:
ماذا لو لقمت أحد هذه الأجهزة القواعد والمفردات والأوزان الشعرية والصور، ليعطيك قصيدة عالية الدقة، لكن لا حساسية بها تماماً مثل وردة صناعة متقنة، لكنها تعجز على أن تعطيك عبيرها، وقس على ذلك فن الرواية، وغيرها وغيرها… فضلاً عن ما اصطلحنا عليه بزمن أفول الحساسية، فليس شرطاً أن تكتب الآلة، فثمة من يكتبون «بشر» نصوصاً مالحة لا حساسية بها، وكأنها تأتي من ردهات عقل بارد فحسب، فقيرة الخيال، باردة المفردات، وتلك هي المعضلة التي تواجه إنسان هذا القرن الذي يقف في وسط من التناقضات، وسط غير متجانس وعليه أن يشتق ما يعادل إنسانيته، ويبث ما خُفي منها باحثاً عما يعني خلوده بأثره هو، بشيفرته الجينية وبخلايا دمه وبتجربته الحية، ليبقى قوله بريئاً من لوثة التكنولوجيا وآثامها الخفية، يبقى الإنسان ذلك الكائن الذي يستعيد مقام العقل ليتوازن الكون من حوله، وبذلك تسعى نصوصه إلى كمال نقصها.
.