ماهي المشكلات التي قد تعيد الإعلام كما كان قبل 200 عام

|| Midline-news || – الوسط …
نشرت مجلة «ذي أتلانتيك» مقالا للكاتب ديريك تومسون، يتحدث فيه عن مستقبل وسائل الإعلام والصحف ،
يوضح تومسون أنَّه من المغري الاعتقاد بأنَّ هذه هي النهاية المحتومة للعبة الاحتكار التي تمارسها شركتا «غوغل » و” فيسبوك “إذ تحصل الشركتان بالفعل على أكثر من نصف الأموال التي تُنفَق على الدعاية الرقمية، وقادتا 90% من معدلات النمو في مبيعات الإعلانات الرقمية العام الماضي. لكن ما يحدث في الإعلام الآن أكثر تعقيدًا. فنحن نشهد كما يشير ديريك، التقاء أربعة عوامل مؤثرة رئيسة تغير مستقبل الإعلام:
1. ظهور العديد من اللاعبين
يرى ديريك أنَّ المسألة غير مقتصرة على «فيسبوك» و«جوجل»، فكل شركة تقنية ضخمة تتحدث عن بيع الإعلانات؛ مما يعني أنَّ كل الشركات التقنية الكبيرة قد تصبح منافسًا آخر في الصراع على أرباح الإعلانات.
ويستشهد بتوسع أعمال إعلانات شركة «أمازون» العام الماضي، التي تجاوز نموها كل شركة تقنية أخرى، حتى احتكار «فيسبوك» و«جوجل». ووفقًا لصحيفة «وول ستريت جورنال» تبني آبل تقنيةً قد تسلب إيرادات الإعلانات من التطبيقات الكبيرة مثل «سنابشات» و«بينترست». وستحقق «مايكروسوفت» إيرداتٍ بقيمة 4 مليار دولار من أرباح الإعلانات هذا العام بفضل نمو موقعي «لينكدإن» و«بينج» التابعين لها.
تشير التقارير بحسب تومسون إلى دخول شركة «أوبر» أيضًا مجال الإعلانات، إذ تتطلع إلى مصادر جديدة للربح لتحسين فرص الطرح العام الأولي لسنداتها، والمنتظر حدوثه قريبًا. وتبني شركة «إيه تي أند تي» شبكة إعلانات لتواكب استثماراتها في محتوى شركة «تايم وارنر»، بينما تعمل شركة «روكو» التي تبيع معدات البث التلفزيوني على تصميم تقنية إعلانات.
ويضيف ديريك، نقلًا عن موقع «أكسيوس»، أنَّ شركات «أوراكل» و«أدوبي» و«سايلزفورس» تستخدم منصاتها للتخزين السحابي في جمع البيانات التي يمكن استخدامها في استهداف المستخدمين بالإعلانات.
لدي شركات التقنية هذه جمهور وبيانات أكبر مما تتمنى أي شركة إعلامية، والنتيجة في رأي ديريك هي جذب المزيد من الإعلانات، ليس فقط تجاه مبيعات الإعلانات «المبرمجة» المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، لكن أيضًا نحو الشركات التي لا تعمل بشكل أساسي في صناعة الأخبار.
2. قلة عدد «المنقذين»
منذ انتقلت الإعلانات إلى المنصات الرقمية، تحول الإعلام الإخباري في رأي ديريك إلى تأليه البطل المخلص. في البدء تصور وكالات الأنباء أنَّ جهاز «الآيباد» سينقذ الإعلام، ثم تحول البطل إلى رأس المال الاستثماري، ثم كان الوعد الغامض بإنشاء منصة مثل «هولو» (موقع بث الأفلام والبرامج على الإنترنت) للأخبار، ثم انتقل الانتباه إلى منصة الفيديو على «فيسبوك»، ومن بعده منصات التسجيلات الصوتية.
ويتابع ديريك أنَّ كل هؤلاء المخلصين أثبتوا عدم فاعليتهم. فالآيباد رائع لأغراض متعددة، لكن كلها لا تتضمن إعادة الحياة لنماذج أعمال تعود لمنتصف القرن العشرين. وأصحاب رؤوس المال توقعوا من شركات الإعلام إنتاج عائدٍ مماثل للشركات التكنولوجية، لذا تراجعوا جميعًا عندما أدركوا ما لم يخبرهم به أحد، وهو أنَّ الأخبار ليست مصدرًا للربح.
حتى الشركات التي أفنت نفسها بالكامل لصالح أخرى مثلما فعلت «ميك» لـ«فيسبوك»، انتهى بها الحال إلى الانهيار بعد أن غيرت الأخيرة أولوياتها.
3. ليست هناك قواعد واضحة
يرى ديريك أنَّ قواعد العمل في مجال الإعلام غير واضحة، ولا تسير وفق خطوات معروفة مسبقًا؛ إذ تجرب المؤسسات الجديدة كل شيء وأي شيء. خلال العامين الماضيين، أعادت الكثير من الصحف والمجلات توجيه أعمالها حول اشتراكات الأعضاء؛ إذ أصبحت تطلب من القراء تعويض الربح الذي فُقِدَ بتراجُع الإعلانات. حتى أنَّ بعض الصحف والمجلات (منها «ذي أتلانتيك») تطلب من المعجبين ليس فقط أن يصبحوا متابعين، بل أعضاءً يدفعون المال ليتعمقوا في أعمال صحافييهم وكتابهم المفضلين.
وبنت شركاتٌ مثل «أكسيوس» و«كروكد ميديا» و«بازفيد» و«فايس» و«فوكس» ستوديوهات إنتاج تلفزيوني، وباعت برامج لشركاتٍ مثل «إتش بي أو» و«نتفلكس». فيما تفتتح شركة «بازفيد» محلًا تجاريًا في نيويورك، وتتجه لبيع سلع المطبخ مع متاجر «وال مارت».
في النهاية، ورغم كل شيء، لا يدعم السوق في رأي ديريك بعض أنواع الصحافة. ويعطي مثالًا على ذلك بوصول عدد المراسلين المحليين في الولايات المتحدة الأمريكية الآن إلى أقل عدد منذ السبعينات، رغم أنَّ عدد السكان زاد بنسبة 50%. ويضيف أنَّ البحث أظهر صلةً مباشرة بين تراجع الصحافة المحلية وقلة المشاركة المدنية. وإذا كانت الأخبار المحلية سلعةً عامة، ربما إذًا تستحق الدعم العام حتى لو في شكل إعانةٍ حكومية، لكنَّ تومسون يعتقد أنَّ طلب الدعم العام قد يبدو سلوكًا انهزاميًا.
4. رعاة مختلفون في اهتماماتهم
يوضح تومسون أنَّ الصحف التي كانت على قمة الشركات المطروحة للتداول العام وجدت ملاذًا في أموال الرعاة الأثرياء، وانتهت العديد من الأسماء المرموقة في يد المليونيرات الأثرياء، منها مجلة «تايم» التي أشتراها مارك بينوف، مؤسس «سايلزفورس»، و«واشنطن بوست» التي يمتلكها جيف بيزوس، مؤسس شركة «أمازون»، فيما اشترت شركة «إميرسون كوليكتيف» التي أسستها لورين باول أغلبية أسهم «ذي أتلانتيك» في 2017.
مستقبل الإعلام بعد تراجع الإعلانات
ربما يبدو هذا كله مفاجئًا، لكن بالنسبة لديريك، صناعة الأخبار كانت دومًا غير مستقرة. ويبدو الأمر المنطقي بالنسبة له أنَّ وسائل الإعلام ستلجأ إلى تمويله عن طريق الجمع بين الاشتراكات، والرعاة، والإيرادات الإضافية التي تُجنى من الفاعليات والمحتوى المرخص، حتى تستطيع أن تتابع عملها. وأيًا كانت الطريقة التي ستلجأ لها الشركات، ستلعب الإعلانات بلا شك دورًا أقل.
يرى ديريك أنَّه لفهم مستقبل الإعلام بعد الإعلانات، علينا أن نعرف ماضيه. في بدايات القرن التاسع عشر، وفي الحقبة التي عُرفت باسم إعلام الأحزاب، اعتمدت الصحف على الرعاة، وكان هؤلاء الرعاة أحزابًا سياسية قدمت عقودًا لكتابها المفضلين أو دفعت مباشرةً لكتاب وظفتهم لمهاجمة منافسيهم.
انتقال الصحف مرةً أخرى من الاعتماد على الإعلانات إلى الاعتماد على الرعاة والقراء، قد تفلت الصحافة من طريقة الرؤية الشاملة المسطحة للموضوعات، وتتحدث مباشرةً عن العالم بطريقة ربما كانت لتبدو وقحة في صحف منتصف القرن التاسع عشر. ستصبح الصحافة سياسيةً أكثر مرةً أخرى، وستصير بالتبعية أكثر انخراطًا.
وهذا وفقًا لديريك هو ما يحدث الآن بالفعل. فعلى سبيل المثال، في العقود الأخيرة الماضية، انتقلت أرباح «نيويورك تايمز» من الاعتماد على الإعلانات بنسبة 60% إلى الاعتماد على مشاركات القراء بنسبة 60%، وبتغير نموذجها التجاري، تغيرت التغطية التي تقوم بها، وأصبحت تفسيريةً أكثر للأحداث.
من حينٍ لآخر يتلقى ديريك سؤالًا عما إذا كنا سنعود إلى العصر الذي كانت الدولة فيه متفقة على عددٍ من الحقائق، وهؤلاء السائلين بالنسبة له يشعرون بالحنين إلى منتصف القرن التاسع عشر، حينئذٍ كان بإمكانهم عد قنوات التلفاز على يدٍ واحدة، والاعتماد على احتكار الإعلام المحلي في التحكم في تدفق المعلومات الكبير.
لكنَّ هذا الماضي الذي ينشدونه لن يعود بحسب ديريك؛ ذلك أنَّه يرى أنَّنا تجاوزنا القرن العشرين وعدنا إلى ماضٍ أكثر تشويقًا وإثارة، وربما يكون هو أيضًا مستقبلنا.
المصدر : “ذي أتلانتيك” – مترجم وكالات