ماذا عن “معاييرنا” المزدوجة؟ .. بشار جرار – واشنطن

كما في الأفلام الجدلية هذا إعلان استباقي بأن مقالتي هذه لا تعني حدثاً ولا عرقاً ولا جنسية ولا معتقداً بعينه، مقالتي هذه فقط عن مسألتين: الإعلام والإنسان .. أخذنا بمهنية الإعلام وإيمانناً بإنسانية الإنسان..
هَبْ أن “زيداً ضرب عمراً” كما يقال في مناهج اللغة العربية -أيام مشاريع الوحدة!، هَبْ أن عمراً هو البادئ، و”البادي أظلم”، ما لـ”كين كان كون” -وهو اسم مختلق من محض الخيال-، ما له وتفاصيل سجالهما، أو أصل خلافهما، ومن مع هذا، ومن ضد ذاك؟! الخبر بالنسبة لـ”كين” صار في خبر كان إن غلبت على لغة الأخبار والتعليقات ما لا تألفه المهنية وتلفظه الإنسانية.
لا تفهم لغات العالم وثقافاتها الأخرى ما نظنه يقيناً أو من المسلمّات. ليس في أبجديات كتابة التقارير والتعليقات الصحفية شيء “حميد” في “التشفّي” بأي كان .. ومن قال إن “شفاء الصدور” فيها ما يبرر الإتيان بفعل المدان، باسم الرد أو الانتقام. “الانتقام” أصلاً في معتقد نسبة لا يستهان بها من سكان المعمورة حق ربانيّ “حصريّ”.
لا أريد اقتباس أيّ آي من “الذكر الحكيم” فخالقنا واحد ورسالاته في جوهرها وغاياتها واحدة، لم تتغير على اختلاف الأزمان والأديان. لكن في أي عمل يبدأ أو ينتهي بدم، ثمة “وجل” لوجهه سبحانه، وجل نجلّ فيه خلقه، فجميعنا “من تراب وإلى تراب”.. صحيح أن احتراب الأضداد قد يكون وجودياً، لكن حتى الفناء له حرماته..
أمقت كثيراً توزيع الحلوى في أي مناسبة سبقتها دماء ورافقتها دموع وآلام من خسر في أي مواجهة كانت، فوق أي أرض وتحت أي سماء، للروح حرمتها .. ولمن سقط وإن كان عدوّ زيد أو عمرو، له أحبّة فجعوا عليه، من قال أن احترام الموت تعبير عن اتفاق؟ ما هو إلا مما اتفقت عليه ثقافات العالم كلها، إلا بعض من يصرون على عدم التعلم من كوارث الماضي القريب، والقريب جداً.
مازال كثير من الناس يدفعون في بلاد المهجر (وبعضهم صار وطنه الثاني) أو اللجوء، ثمن مجموعة -أقل ما يقال فيها- إنها خرقاء قامت بتوزيع الحلوى عندما قام تنظيم القاعدة الإرهابي بتنفيذ اعتداءات سبتمبر 2001.
لم يكد يجف حبرنا وتسترح حناجرنا ونحن نلوم “الغرب” على ازدواجية معايير في قضية الاعتداء على المصحف الشريف في ستوكهولم وأمستردام، فماذا عن معاييرنا المزدوجة؟ هل نذكر كيف كانت ردود أفعالنا على مجزرة اقترفها إرهابي عنصري في مسجد في صلاة جمعة في منطقة “كرايست تشيرش” بنيوزيلاندا في آذار مارس 2019؟
لماذا يصر ركاب “الترندات” على مصادرة حق من يختلف معهم في التقييم أو التعبير، فهذا يكفّرون وذاك يخوّنون؟.
بيوت الله واحدة في حرمتها، والمصلّون في حرمة دمائهم واحدة .. لكن صمت الكثيرين اتّقاء شر “الشتّامين” وضعنا في مواجهة سؤال كثيرين عن “معاييرنا” المزدوجة..
إقرأ أيضاَ .. متلازمة ستوكهولم الجديدة ..
إقرأ أيضاً .. سرّك بـ ” الكراج “! ..
*كاتب ومحلل سياسي – مدرب مع برنامج الدبلوماسية العامة في الخارجية الأميركية ..
المقال يعبر عن رأي الكاتب ..
عنوان الكاتب على basharjarrar : Twitter
صفحاتنا على فيس بوك – قناة التيليغرام – تويتر twitter