العناوين الرئيسيةحرف و لون
لولاهما ما كنتُ أنا.. إسماعيل حيدر
لولاهما ما كنتُ أنا.. إسماعيل حيدر
*
منها نصفٌ فيّ..
ومنه النصف الآخر
لولاهما.. ما كنتُ أنا.
منها نصفٌ فيّ..
ومنه النصف الآخر
لولاهما.. ما كنتُ أنا.
أمي وأبي روح واحدة في جسدين.
هي أجمل قصائدي..
وهو إيقاع الموسيقى والكلمات.
**
ماذا يفعلُ اليتيمُ؟
هل تكفي الدموعُ للاعتذارِ عن الغياب؟
لديَّ اليقين أنَّ روحَيهما في الأعالي، وستزدادُ سعادتُهما الأبديَّة بابتسامتي.
***
فجراً.. كانت توقظني صلاتهما..
ثم نذهب في اتجاه الحقل والندى
يشدّنا شوق التين والعنب، والشاي من مياه البئر.
نملأ السلال، ونترك أكوازاً وعناقيدَ للعصافير الصغيرة.
****
يوم ولدت قالت لي، وابتسامة التعب على وجهها: أهلاً بولدي الحبيب. أذكر أنني فوجئتُ بالنورِ، ومن هولِ الدهشةِ، أغمضت عيني، وبقيتُ عاماً من دون كلام.
*****
يضحك الحفيد في أحضان الجدة
كأنني أنا في هذه الصورة
التي لم يتسن لي الدخول في إطارها
أيها الحفيد ..
أنت في حضن أمك الكبرى.
******
كل أيامها عيد أَتذكرها كلما أنهض صباحاً، لأتناول الفطور الذي كانت تحضره يداها ..
لم تكن تضع عطوراً..كنت أشمُّ من يديها وثيابها،
روائح الزعتر الأخضر، وخبز التنور.. وماء زهر الليمون..
اتذكرها في فرحي وحزني، وحين أصاب بالحمى، وأشم رائحة الزوفا والأعشاب البرية التي تتصاعد أبخرتها قرب سريري.
كانت تخوض الحربَ معي ضد “النيران الصديقة”
التي كانت تلذعُ حنجرتي الصغيرة
وتبرد بالمناديل المبللة رأسي وعينيّ.
*******
كررت على مسامعي كثيرا: تناولْ كسرات الخبز مع فطور الصباح؛ ولا تتركْ حبات الملح والسكر منثورة على الطاولة، أو أرض الغرفة.. اجمعها بحب وضعْها في ركنها الآمن.
********
يكفيني انتصاراً، أنها لم تدخل مدرسة، ولم تقرأ إلا في كتاب الحياة.. وكانت أكثر ذكاءً وحكمةً وطيبةً وكرماً وحباً، من كل الذين تعاقبوا على تعليمي طوال السنين الماضية.
*********
ودعتها عند درج البيت..
وحين رجعت بعد عام، لم أجد سوى دموع
مكتوبة بالدعاء.
وقطعة من القلب، زينت الجدار، نسجتها بأغصان قمح
في سويعات المساء.
**********
هناك كانت تصلي، انتهت من سجودها الأخير، وأسندت رأسها بين يدي الله..
كم كان رحيلها هادئاً.. كم كان غيابي مؤلماً.
في يومها الربيعي، ألثم ضريحها الطاهر البعيد
وأدعو لروحها بالسكينة والسلام.
.
.
.
.
* كاتب صحافي من لبنان
.