لمن تُكتب الروايات؟ .. أحمد علي هلال

|| Midline-news || – الوسط …
.
تتعدد الآراء وتتنوع الاتجاهات وتظل الرواية بوصفها جنساً إبداعياً مخاتلاً مالئة الدنيا وشاغلة الناس، ليس لتصويرها الحياة المعاصرة وبما تنطوي عليه من مفارقات وغوايات كثيفة، أقلها أن تكون الرواية بمثابة السيرة الخفية/ المعلنة للذات والعالم والآخرون.
لقد قيل إن الرواية هي أنثربولوجيا العالم، أي بمعنى أن هذه العمارة اللغوية التي تقوم على تأريخ الأرواح لا تدوينها فحسب، ينبغي لها أن تكون مجمع الإشارات والرموز والمعارف والمرجعيات، لكن تماماً كما هو الإكسير الذي يجلو خصائص مادة بعينها.
ولو سألت كاتباً روائياً لمن تكتب؟ بالتأكيد لن تأتي إجابة قاطعة مانعة جامعة لتردم فجوات السؤال، ثمة سؤال كبير هنا خارج ما تصوره سارتر في كتابه الباهر (ما الأدب) وفيه استعادة للأسئلة الذهبية لمن تكتب وبم تكتب وكيف تكتب؟ إلا أن الرواية بوصفها ملحمة العصر بالتأكيد لن تُكتب لذاتها وهنا ثمة استعادة أخرى لطبقات القراء ومستوياتهم واستجاباتهم، بل وتأويلهم المتعدد والمختلف والأدل هو القارئ/ الزمن فهو مضمر إجابات الروائيون الخفية.
وعلى الأرجح أن جلَّ ما كتب في هذا السياق ونقصد ما دونته قرائح الروائيين الكبار/ بناة الأرواح ديستوي فسكي، وتشيخوف، وماركيز، وإيتالو كالفينو، امبرتو ايكيو، لوكلوزيو، جيوفاني بوكاتشيو، جورج أورويل، وهاروكي ماروكامي، وغيرهم في الفضاء العربي من حنا مينة، جمال الغيطاني، إدوارد خراط، هاني الراهب، محمد ديب، عبد الرحمن منيف، توفيق يوسف عواد، غسان كنفاني، ليس الأمر هنا محض تعداد لتلك الأسماء وغيرها الكثير الكثير، بل بوصف كل اسم كتعبير عن ثقافة بعينها كما قيل عن ماركيز أنه تعبير عن قارة، فأولئك الروائيون ومجايليهم ونظرائهم على كثافة تجربتهم تطيروا من ذلك السؤال الكبير إلى الإبداع ذاته الذي كتبوه بعيداً عن أوقاتهم العصيبة وداخلها، ليكون الجواب الحاسم إنه الإبداع، الذي لا زمن له فهو العابر للخطابات والأزمنة ليطأ أرضاً بعيدة قصية، وليس بتبسيط الجواب إنني أكتب لنفسي، ذلك أن النفس هنا ليست محض نفس فرد، إنما هي الذات الجمعية التي يتوسل الإبداع محاورتها، لينشأ معها عقداً لنسمه ما شئنا، وهذا العقد هو الذي يجعل الذاكرة الثقافية أشد ارتباطاً بما كتبوه.
وهذا يعني أن لكل قارئ الحق في أن يقول: (كأن الرواية كُتبت لي، وها أنا ذا أعيش تفاصيلها).
القارئ/ الزمن هو ما تحيلنا إليه رواياتهم، بل سيرهم الأخرى التي تُقرأ بطزاجة اللحظة وبراءة النبوءة.
.