لبنان يبدأ مسار التنقيب عن الغاز والنفط

بدأت آثار ترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان بالظهور لناحية طمأنة المستثمرين الدوليين فيما تتوجه الأنظار إلى نهاية 2023 والربع الأول من عام 2024 على أقل تقدير لاستكشاف حجم الكميات المتوافرة من الغاز والنفط وإذا ما كانت تتصف بالبعد التجاري.
يأتي ذلك بالتوازي مع حلول “قطر للطاقة” مكان “نوفاتيك” الروسية في الائتلاف المؤلف من “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية كي يكتمل مشهد التنقيب عن الغاز والنفط في البلوكين اللبنانيين رقم 4 و9 .
التوقيع في بيروت
ورعى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حفل توقيع الاتفاق بين “قطر للطاقة” و”توتال إينرجيز” و”إيني” للاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز في البلوكين 4 و9.
ومثل الجانب القطري وزير الطاقة سعد الكعبي ووزير الطاقة والمياه في لبنان وليد فياض والرئيس التنفيذي لشركة “توتال إينرجيز” باتريك بوتانيه والرئيس التنفيذي لشركة “إيني” كلاوديو ديسبازي.
ويوزع الاتفاق الأنصبة بين الجهات الثلاث على الشكل التالي: حصة “قطر للطاقة” 30% و35% لشركة “توتال إينرجيز” و35% حصة “إيني”.
واعتبر ميقاتي أن موقع لبنان الجغرافي سيمكنه من لعب دور محوري إلى جانب الدولة الصديقة في إمداد أوروبا بالغاز.
وأكد بوتانيه مسؤول “توتال” أن العملية ستبدأ بدراسة الأثر البيئي في الربع الثالث من العام الحالي أي قبل نهاية شهر سبتمبر (أيلول) المقبل وبعدها ستنطلق عملية الحفر وتستمر لثلاثة أو أربعة أشهر لمعرفة الكميات المتوقعة في نهاية 2023، أو بدء 2024.
بدوره عبر ديسبازي ممثل “إيني” عن تفاؤله بإمكان العثور على الغاز لأسباب تتعلق بالفريق والشراكة مع “قطر للطاقة” و”توتال” لأنها تمثل أفضل الشركات على المستوى العالمي.
في المقابل رد وزير الطاقة اللبناني وليد فياض على سؤال حول الضمانة لعدم الهدر والفساد وقال: نتكلم على شركاء عالميين تحالفوا في حلف شديد الحرص على العمل النزيه مالياً واقتصادياً وإنمائياً.
وأضاف: عندي كل الثقة بأن هذه الشراكة لن تتضمن أي هدر للثروة الوطنية والمال العام.
من جهته أوضح الوزير القطري سعد الكعبي أن “قطر للطاقة” انضمت إلى العمل في البلوكين 4 و9 وكان لافتاً تركيزه على البلوك رقم 9 لأن البلوك رقم 4 سبق أن حصلت عملية الحفر فيه ولم توفق “توتال إينرجيز” في العثور على كميات تجارية أما البلوك رقم 9 سيحدد مصيره من خلال البئر الأولى ففي حال وجود كميات ناجحة يحتمل وجود نقاط أخرى ضمن البلوك يجب استكشافها.
قطر بدلاً من روسيا
وقد حاول لبنان في عام 2013 إطلاق أولى عمليات التنقيب عن الغاز والنفط ولكنها تأخرت فعلياً إلى عام 2017 بفعل عدم الاستقرار السياسي إلى أن نال كونسورتيوم “توتال” و”إيني” و”نوفاتيك” الحق في ذلك ضمن المنطقة البحرية الاقتصادية الخاصة بلبنان إلا أن اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير (شباط) من عام 2022 وضع الشركة الروسية تحت وطأة العقوبات الغربية وشكلت عقبة أمام مواصلة العمل بصورة منتظمة وآمنة لـ”الكونسورتيوم” ولبنان.
وانسحبت في سبتمبر (أيلول) 2022 شركة “نوفاتيك” وتنازلت عن حصتها البالغة 20% لمصلحة الحكومة اللبنانية.
ووقع الرئيس اللبناني ميشال عون في 27 أكتوبر (تشرين الأول) 2022 اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع “إسرائيل” بعد أن انطلقت المفاوضات في 2020 بوساطة أميركية قام بها عاموس هوكشتاين.
وأقر الاتفاق سيادة لبنان على حقل قانا الواقع ضمن البلوك رقم 9 الذي تصل مساحته إلى 1142 كيلومتراً مربعاً في مقابل حصول “إسرائيل” من “مشغل البلوك رقم 9” أي أعضاء “الكونسورتيوم” على تعويض إذ تعتبر أن جزءاً من الحقل يقع خارج المياه الإقليمية اللبنانية.
ماذا عن البلوكات الأخرى؟
ويستهدف “الكونسورتيوم” التنقيب في البلوكين 4 و9 علماً أن عدد البلوكات اللبنانية هو 10 ممتدة قبالة الساحل اللبناني.
وتبقى العين على البلوك رقم 9 الجنوبي لأنه يشكل اختباراً لمتانة اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية من جهة ومن جهة أخرى لأنه سبق أن أعلن لبنان في أبريل (نيسان) 2020 أن عمليات الحفر الأولوية في البلوك رقم 4 البالغة مساحته 1911 كيلومتراً مربعاً أثبتت أن هناك آثاراً للغاز ولكنها ليست بالكميات التجارية أي ليست بالاحتياطات المجدية تجارياً.
وأوضحت ديانا القيسي الخبيرة في مجال الطاقة أن التنقيب اقتصر على هذين البلوكين لأن الشركات فازت بدورة التراخيص الخاصة بهما في عام 2018.
وأكدت أن لا ضمانة بإعادة الحفر والتنقيب في البلوك رقم 4 كما أكد “الكونسورتيوم” أن “العمل سينحصر مبدئياً في البلوك رقم 9 ولكن لا بد من البت بمصير البلوك 4 من أجل إعادة الحفر أو ستتخلى عنه الشركات، وتعيد الحصة إلى الدولة اللبنانية.
وبينت القيسي أن اتفاق الترسيم غير المباشر واتفاق الإطار بين “توتال” و”إسرائيل” لا يضمن عدم اندلاع توترات لاحقة أو بروز عراقيل لأن الاتفاق نص على موافقة “إسرائيل” على الشركة التي ستتولى الحلول مكان “نوفاتيك” كما أنه يفترض الجلوس من جديد بين “إسرائيل” وشركة “توتال” لتحديد حصة الأرباح الإسرائيلية على ضوء نتائج الاستكشاف في المنطقة الواقعة جنوب الخط 23″ واصفة ما يجري بتأجيل المشكلة.
وعلقت القيسي على مقاربة وزير الطاقة اللبناني وليد فياض الذي اعتبر أن سمعة مكونات “الكونسورتيوم” دولياً كافية لضمان عدم الهدر مشيرة إلى أنه لا يشكل ضمانة لعدم هدر المال العام لأن الضمانة الحقيقية تطبيق القانون وإنشاء صندوق سيادي يضمن أن الأموال الناجمة عن بيع الطاقة لن يتم السطو عليه.
وقالت القيسي: المدى الزمني للتنقيب والاستكشاف والاستخراج” فتشير إلى أن “توتال” ستقوم باستدراج عروض لاستقدام باخرة حفار لبدء الحفر وهذا سيحصل في الربع الأخير من عام 2023.
وكشفت أن هناك باخرة آتية للشروع بالمسوح الجيولوجية في مكان الحفر ضمن الحقل ومن ثم يدرس الأثر البيئي في تلك المنطقة ويستمر عملها لشهر أو شهرين تضع بنهايته تقريراً يحال إلى هيئة إدارة البترول في لبنان لمراجعته ومن ثم منح شركة “توتال” الإذن بمباشرة الحفر وعلى ضوء على ذلك تباشر الباخرة الحفر (في نهاية العام) ويستغرق لمدة تتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر من أجل معرفة النتائج وعندها إما يستمر العمل أو يتوقف.
وفيما يتعلق بالبلوكات الثمانية المتبقية أشارت القيسي إلى أن لبنان أطلق دورة تراخيص ثانية تنتهي في يونيو (حزيران) 2023 من أجل استدراج عروض التنقيب عن الغاز والنفط فيها.
وشرحت القيسي المسار المستقبلي المتوقع ففي حال العثور عن كميات تجارية تؤمن الأرباح للشركات والدولة اللبنانية لا بد من وضع خطة تطوير للقطاع ويتطلب الأمر مزيداً من أعمال الحفر والتنقيب والتسويق التي تستهلك نحو السنتين من أجل تأمين السوق.
ولفتت إلى أن الغاز على خلاف النفط لا بد من ترويجه وبيعه قبل استخراجه بعد ذلك لا بد من بناء المنشآت لتسييل الغاز وبيعه من هنا تتوقع أن يستغرق الأمر أربع سنوات في الحد الأدنى إذا ما سارت الأمور على أحسن حال دون أي تأخير أو عوائق.