العناوين الرئيسيةدولي

قمة بريكس BRICS في ريو دي جانيرو .. هل يسهم العرب في رسم ملامح نظام عالمي جديد؟

النظام الدولي يتصدع .. وBRICS تتهيأ لملء الفراغ، فهل تمنح حروب ترامب التجارية دفعة لذلك؟

تستعد مدينة ريو دي جانيرو لاحتضان قمة بريكس BRICS، التي باتت إحدى أبرز منصات إعادة رسم التوازنات الجيوسياسية في العالم، يشتد التوتر بين الشرق والغرب، في الوقت الذي تتصاعد فيه الحروب التجارية بزعامة واشنطن،

وتأتي قمة هذا العام في سياق غير مسبوق، فالسياسات الاقتصادية الأميركية الهجومية للرئيس دونالد ترامب تلقي بظلالها الثقيلة على القمة، في الوقت الذي يشهد ازدياداًاً كبيراً في عضوية BRICS لتضم قوى عربية وإقليمية ناشئة، كما يتنامي الحديث عن قرب نهاية الهيمنة الغربية على النظام المالي العالمي.

ترامب وسياسات الدفع القسري نحو التعددية ..

منذ عودته إلى السلطة، أطلق ترامب موجة كبيرة من قرارات الحمائية الاقتصادية عبر رسوم جمركية ضخمة على الصين، ودول من  BRICS، وحتى بعض الحلفاء التقليديين، هذه الإجراءات، التي وصفتها قوى عالمية بـ”العدوانية”، دفعت العديد من الدول، بما فيها الأعضاء الجدد في BRICS، إلى إعادة التفكير في مستقبل النظام العالمي الذي طالما كانت أميركا قطبه الأوحد.

ففي أبريل الماضي، أقر ترامب رسوماً جمركية شاملة بنسبة 10٪ على كل الواردات الأجنبية، تبعتها زيادات خاصة على الصين (حتى 145٪)، ودول أخرى من تكتل BRICS+. أما في يوليو، فأصدر تعليماته بزيادة الرسوم على 12 دولة جديدة، مهدداً بـ”انهيار النظام التجاري الذي تهيمن عليه العولمة”.

وبينما تسوّق الإدارة الأميركية الجديدة هذه القرارات باعتبارها “إصلاحًا لمعادلة تجارية غير عادلة”، فإنها، بحسب خبراء الاقتصاد، تفتح الباب أمام تصدع عميق في التحالفات الغربية، وتسريع التحول نحو نظام عالمي أكثر تعددية.

كما لا يخفي ترامب عداءه للمؤسسات المتعددة الأطراف، سواء منظمة التجارة العالمية أو البنك الدولي، هذا ما يقلق حتى حلفاء واشنطن، ويفتح المجال أمام قوى ناشئة لتقديم بدائل.

BRICS على خط النار .. أم على أعتاب الفرصة؟

جاء الرد من تكتل BRICS+ ،الذي يضم الصين، روسيا، الهند، البرازيل، جنوب إفريقيا، وإلى جانبهم السعودية، إيران، مصر، إثيوبيا، الأرجنتين، والإمارات، عبر تصريحات موحدة عبّرت عن “قلق بالغ من السياسات الحمائية التي تهدد الاستقرار العالمي”.

هذه الأزمة  التي اختلقها ترامب قد تمنح BRICS فرصة استراتيجية لتسريع جهودها في التحرر من هيمنة الدولار، عبر دعم التسويات بالعملات الوطنية، والعمل على توسيع بنك التنمية الجديد ليكون بديلاً حقيقياً لصندوق النقد، وتنسيق أكبر بين اقتصادات الجنوب العالمي في الطاقة والتكنولوجيا والتمويل.

التحديات قائمة ..

رغم الحماس من قبل الدول الأعضاء، إلا أنه لا تزال هناك الكثير من التباينات بينها – خصوصاً بين الهند والصين – وهناك ضعف البنية التنظيمية الموحدة، ما يشكل عقبات أمام بناء قطب عالمي متماسك في المدى القريب.

لكن من المفارقة أن السياسات المتطرفة التي يتبعها ترامب لتحصين الاقتصاد الأميركي قد تدفع العالم دفعاً نحو نظام متعدد الأقطاب – لا تقوده واشنطن، إذ يرى مراقبون أن “انكفاء أميركا المتعمد” يخلق فراغاً في القيادة الدولية، تستعد BRICS لملئه تدريجياً.

قمة ريو 2025  .. لحظة اختبار لمستقبل BRICS

ورغم الأجواء المشحونة التي تنعقد فيها القمة هذا العام ، ولكن ترى الدول الأعضاء أنها قمة واعدة، حيث تسعى البرازيل، الدولة المضيفة، إلى صياغة توافقات جديدة داخل التكتل بشأن:

  • إنشاء نظام مالي بديل يخفف الاعتماد على الدولار.
  • تعزيز التجارة البينية بالعملات الوطنية.
  • توسيع دور بنك التنمية الجديد ليشمل مشاريع استراتيجية عالمية.

ورغم التحديات، فإن حضور دول عربية كالسعودية، الإمارات، ومصر في القمة كأعضاء كاملي العضوية يفتح الباب أمام نقلة نوعية في الحضور العربي ضمن ترتيبات النظام الدولي.

هل يكون للعرب دور في صناعة العالم الجديد؟

انضمام ثلاث دول عربية رئيسية إلى BRICS لم يكن حدثًا رمزيًا فقط، بل يحمل دلالات استراتيجية عميقة:

  • الطاقة والتكنولوجيا: السعودية والإمارات هما من كبار مصدري الطاقة، وشريكان رئيسيان في التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، لديهما قدرة على تمويل مشاريع كبرى داخل BRICS وربطها بأسواق أفريقيا وآسيا.
  • الموقع الجغرافي والتكامل اللوجستي، حيث تلعب مصر دورًا استراتيجيًا كممر بحري وجغرافي يربط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، ويمكن أن تصبح مركزًا للتجارة البينية داخل BRICS.
  • الاستثمار في الجنوب العالمي، فالدول العربية، عبر صناديقها السيادية، باتت قادرة على توجيه استثمارات ضخمة نحو اقتصادات BRICS، بعيدًا عن الهيمنة الغربية التقليدية.

كل ذلك يجعل العرب ليسوا مجرد “ضيوف شرف” في BRICS، بل لاعبين محتملين في صياغة مستقبل عالمي جديد.

هل ينجح العرب في التأثير داخل BRICS؟

رغم الفرص الكبيرة، يظل النجاح مرهونًا بقدرة الدول العربية على:

  • التحرك بشكل موحد وذي رؤية استراتيجية داخل التكتل.
  • عدم الارتهان للصراعات الدولية بل لعب دور “الجسر” بين الشرق والغرب.
  • استخدام أدواتهم المالية والتكنولوجية والسيادية لتشكيل شراكات مؤثرة، لا تابعة.

إلى أين تتجه البوصلة؟

قد تكون قمة ريو 2025 محطة محورية في انتقال BRICS من “منتدى للتعاون” إلى تكتل جيوسياسي قادر على تغيير قواعد اللعبة.

ومع اشتداد الصراع بين الغرب بقيادة واشنطن وشرق صاعد ومتعدد بقيادة بكين وموسكو والبرازيل، تزداد حاجة العالم إلى “طرف ثالث” متوازن.

وإذا أحسن العرب استغلال الفرصة، فقد يكون لهم دور تاريخي في صياغة “نظام عالمي أكثر عدالة وتمثيلاً”، ليس بالضرورة معادٍ للغرب، ولكن غير تابع له.

“العالم يتغير، لا بفعل صعود القوى البديلة فقط، بل أيضاً بفعل أخطاء القوى المهيمنة”، وتاريخ النظام الدولي يُكتب من جديد على ضفاف المحيط الأطلسي في ريو دي جانيرو، وبينما تُصاغ الاتفاقات والخطابات في قاعات قمة BRICS، تبقى الأنظار شاخصة نحو ما إذا كانت الدول العربية ستلعب دور الشريك الكامل في النظام العالمي المقبل، أم تكتفي بمقعد المتفرج.

فهل تتمكن BRICS من كسر هيمنة الغرب؟ وهل يكون للدول العربية رؤية واضحة وجاهزة لقيادة جزء من هذا التحول؟.

 

غرفة التحرير

 

صفحتنا على فيس بوك

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى