في صناعة الضحك! … أحمد علي هلال

الحق كل الحق لمن يذهب إلى القول بأن زمننا هذا هو زمن التجهم والوجوم زمن القلق بامتياز، لكن بعض من يذهب إلى الضحك بوصفه وظيفة انتباهية، ربما يذهب إلى النصف الآخر من الكأس، ذلك أن الضحك بالدلالتين السيسويولوجية والسيكولوجية هو ما يجعل منه موضوعاً قائماً بذاته بصرف النظر عن مفارقاته في مشاهدنا اليومية وحياتنا الراهنة.
و«من شر البلايا» التي أصبحت بخطابها الاستعلائي حاملة للضحك بكل مستوياته ومتونه، كما في الابداع وأجناسه المختلفة المسرح أنموذجاً، حتى ليصبح –الضحك- كأنهما هو استجابة غريزية لوقائع بذاتها لعله يستبطن شيئاً من المقاومة سواء انطوت على معنى سلبي أو معنى ايجابي، فأنت تضحك اليوم ليس كما ضحكت بالأمس، وأن تضحك غداً ليس كما ضحكت اليوم، كل ذلك يعني أن ثمة فلسفة ما ثاوية وراء المواقف والمفارقات وبقدر انزياحها عن الواقع، بقدر ما تشكل حالة تستدعي مقاربتها ضحكات من نوع آخر، كأسلوب توليد النكات في أزمنة الحروب والمجاعات العابرة لأزمنتها وأمكنتها وشرطها التاريخي إلى شرطها الإنساني المفتوح.
كم نضحك بفعل مفارقة هنا أو هناك وبفعل عدوى شديدة الإيحاء، فالضاحك هنا ليس بالضرورة أن يكون ضاحكاً وتلك مأثرة بعينها، لأن ما يضحكنا هو خيط رفيع من قدرتنا على إضحاك الآخرين فيما تتوارى دمعة كلماتنا، ولعل صاحب كتاب الضحك هنري برجسون كان يشغله على الدوام سؤال كبير وملتبس بآن: «ماذا في عمق الشيء المضحك» وهو الذي أدرك أن «الأصالة الهزلية تنبثق عن الحياة ذاتها»، ليكون للضحك ذلك الوثوب الحيوي في جعل الواقع ممكنات قادرة على التشظي وبوسع من يؤلف الوقائع أن يبث بين سطورها موقفاً ما، لن نذهب هنا للضحك والجمال كما قرائن الضحك المتداولة والعديدة، أو كما يذهب البعض إلى اشتقاق الجمال من الابتذال فذلك يحكمه سياق آخر.
لكننا نقول أن في «عمق ذلك الشيء المضحك» موهبة روح لا اجترار كلام، وسعادة لغة لا شقاء مفردات، فمن يبني الأرواح من جديد وهي تهيم منذ ألف سؤال وسؤال؟!
.
*كاتب وناقد فلسطيني- سوريا