إضاءاتالعناوين الرئيسية

فيروز، بصرى 1985 … مراد داغوم

تساءلت عن توقيت طرح “ريما الرحباني” ابنة فيروز منشورها عن حفلة “فيروز” في بصرى عام 1985، فبعد أن طلب “منصور الرحباني” من بعض الساسة اللبنانيين بخصوص عرض “صح النوم” في دمشق عام 2008 التوقف عن إسداء النصح، والتدخل فيما لا يعنيهم بشأن المغنية الكبيرة التي أحبت دمشق وأحبها السوريون. لم يتطرق أحد من آل الرحباني لسيرة “دمشق وفيروز” علناً بهذه الصورة.

لم تظهر في منشور ريما أي إشارة “سياسية”، لكن التفاعل الخرافي مع منشورها من قبل السوريين أَعلن أن العلاقة بينهم وبين فيروز أكبر وأسمى من السياسة، ولاحظ قراء المنشور من غير السوريين تلك العلاقة الشفافة بالغة القوة بين الشعب السوري وبين قطب لبناني يمثل لهم حياة أخرى لا تتأثر بمرور صهريج نفط أو أنبوب غاز أو سلك طاقة.

لم أكن من بين المحظوظين الذين تسنّى لهم حضور الحفل يومذاك. كان الحضور مجانياً، فالحفل واحدة من فعاليات مهرجان “بصرى” الذي تقيمه وزارة الثقافة التي اعتادت هذه الأيام بيع تذاكر فعالياتها. حتى النقل كان مجانياً من دمشق إلى بصرى عبر حافلات وقطارات. تسابق مئات السوريين في سرد ما يذكرونه عن يوم الحفل، بمن فيهم “لمياء قصاب حسن” والتشكيلي المعروف “غيث العبدالله”، وفي عرض صور التقطوها وقد لاقى ذلك بهجة وحبوراً من صاحبة المنشور. غص المدرج بثلاثين ألف متفرج قبل بدء الحفل بساعات طوال، بينما قُدِّر عدد الحضور الكلي بمائة وعشرة آلاف شخص التفوا حول المدرج مكتفين بسماع الصوت فيما تم اعتباره أكبر حفل أقيم في الشرق الأوسط. الازدحام الرهيب حال دون نزول الفرقة الموسيقية من الحافلتين، واحتاج فتح طريق لهم لساعتين، بينما دخلت فيروز مغطاة بعباءة تفادياً لأي مضايقات غير مقصودة.

قالت ريما رحباني أنها لم تر في حياتها جمهوراً كهذا خلال مرافقتها لوالدتها في حفلاتها حول العالم. حيث قالت في تعليق لها ما يلي:
اللي صار بِ بُصرى ما صار متلو
صار كتير بأماكن كتيرة.. وأكتر من كتير
بس ولا حدث كان بيشبَه بُصرى!
بعيداً عن منشور ريما، استعدت الحفل من موقع اليوتيوب، عاينته بتفصيل متعطش لذكرى مهيبة، غنت فيروز خمسة عشر أغنية، كان قائد الفرقة الموسيقية المايسترو الكبير “سليم سحاب”، لكن الفرقة أظهرت بشكل واضح جداً قصوراً فاضحاً في مواكبة الأعمال الموسيقية وخصوصاً الجديدة التي لحنها زياد الرحباني، كانت فرقة مهلهلة بحق بدءاً من المقدمة الموسيقية والنشاز الصارخ من آلة “الأبوا”، دخلت الفرقة مرتين في أغنيتين قبل إشارة المايسترو ما أربكه بشكل واضح سيما أن الكاميرا كانت عليه في تلك اللحظتين. إحداهما أغنية (سهرنا يا بو الأحباب) والأخرى هي معزوفة (سألوني الناس) ظهر فيها عناد واضح عندما أصر عازف القانون على إعادة المقطع- الموسيقا بينما كان عازف الناي يؤدي غناء المذهب، ثم توقف القانون قبل نهاية المذهب بقليل.
كان صوت نشاز عازفي الكمان في أغنية “أرجعي يا ألف ليلة” واضحاً جداً في التسليم، وكذلك في مقاطع كثيرة من موسيقا أغنية “البوسطة” خصوصاً ما كان منها عالياً (جواب).
في أغنية “إسوارة العروس”، نلاحظ بوضوح شديد أن أصوات الوتريات (كمانات مع تشيللو) قد أصبحت أشد زخماً وقوة وتركيزاً ودقة عزف مع صدى (ريفيرب) مختلف كلياً عن صدى الصوت في الحفل، حتى أن أصوات الآلات الإيقاعية مختلفة عن الموجودة مع الفرقة، ليتضح أن الموسيقا هنا من تسجيل مسبق في الاستديو، وكانت فيروز تغني معها بطريقة الـPlay Back.
وفي المقطع الرائع (سفينتي بانتظاري)، وهو مقتطفات أخرى من كتاب (النبي) لجبران (مختلفة عن المقاطع المحتارة في “المحبة”، طلبت فيروز من الشاعر “جوزيف حرب” أن يختارها، وقام بتلحينها زياد الرحباني، يبدو أيضاً ارتباك شديد عند تنفيذ الوتريات.
في أغنية الختام، “زوروني كل سنة مرة”، دخلت “فيروز” غناء المطلع من التوقيت الإيقاعي الخاطئ، ما يعرف عند الموسيقيين بعبارة (برّا الإيقاع) وهو خطأ لم ترتكبه “فيروز” في حياتها. لذلك، ما أن قالت الكلمة الأولى (زوروني) حتى أدركت ما فعلته وتوقفت مباشرة عن الغناء وأشاحت بوجهها إلى اليمين وتوقفت معها الفرقة الموسيقية حوالي 20 ثانية. أعادت الفرقة عزف التسليم أربع مرات، كانت وضع الكاميرا القريب من وجه فيروز يظهر بوضوح تحريك شفاهها لتجريب الدخول، ثم دخلت في الزمن الصحيح وهو قبل الزمن الثاني بنصف زمن، بينما هي أول مرة دخلت الغناء بعد الزمن الثاني بنصف زمن. ولم يلفت هذا الخطأ انتباه أحد، فتابع الجمهور تفاعله مع الأغنية الأخيرة بشكل منقطع النظير.

.


*مراد داغوم – مؤلف وموزع وناقد موسيقي – سوريا

.
رابط حفل بصرى 1985
تابعونا على صفحة الفيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى