رأي

فوق كل فوق!؟ .. د. نهلة عيسى

بلادنا مدهشة بكل ما فيها, ناسها, همومها, فرحها, غضبها, لكنها مميزةجدياً بصمودها, وكأنها تقول للكون كله: تباً لك!؟، رغم أن الحال في كل بيت فيها, إما أسوأ قليلاً أو أفضل قليلاً, والجميع في الوجع الشبيه بطعم الدمع والبارود .. سوريون, لا يطفو من أحزانهم على السطح سوى عشر ما يختفي في قاع القلوب!.

بلادنا مدهشة بكل ما فيها, سريعة التكيف مع كل مزاج, وكل زي, وكل لون, لذلك لا غرابة أننا جميعاً أصبحنا نشبه الحرب, عبثيون, عشوائيون, عدميون, متعجرفون, وعصبيون, نحب الشيء ونقيضه, ونحلف بالله ونكفر به, نعشق الثرثرة ونكره أن نسمع أحد, نصرخ ونُجرِّم من يصرخ, ندين الفاسد ونحسده, ندمدم طوال الوقت: أن مشكلتنا في عدم تطبيق القوانين, وننفجر سخطاً, عندما تطبق علينا, لكن عندما يجد الجد ينتفض الجميع من خواء الحرب, ليعلنوا أننا لبعض!.

بلادنا مدهشة, لا تستطيع “رغم رغبتك في ذلك”, أن تتصرف كمواطن مخدر ومدجن وفاهم لأصول اللعبة القائمة, ولا تسمح لك باختراع أمراض موهومة تتسلى بها, ولا أن تجد لضجرك المزمن أسماء فاخرة تليق به, ولا أن تسلك طريقاً مستقيماً للحصول على أتفه حاجاتك, لأن كل ما فيها, مبالغ فيه, وجدي حدود الوقاحة: الحب, الطاعة, الألم, الفقر, الغنى, الفساد, وحتماً الحرب المسورة بالحصار, حصار الخصوم, وحصار بكوات القوت, لكن السوري عندما يجد الجد يتجاوز كل حد!.

بلادنا مدهشة, أرصفتها كراجات, وأقصى الأحلام فيها أن تجد لسيارتك مكاناً تنام فيه, دون أن تضطر لخوض حرب داحس والغبراء مع أصحاب الحناجر القوية, تخسر فيها كرامتك, وتشتم كل عائلتك, وتصل بيتك وأنت تشعر أنك مذموم, مقهور, بلا اسم, بلا شكوى محددة, لأنك تشكو من كل شيء, لدرجة الرغبة في أن تنشر إعلاناً في احدى الصحف تقول فيه: ” أحلام عمر مفقودة, الرجاء ممن شاهدها أو سمع عنها شيئاً أن لا يبلغ أحداً, لأن أحداً, لا يهمه الأمر”, ولكن أكرر, عندما يجد الجد يتجاوز الفعل الحلم!.

بلادنا مدهشة, , أبحث فيها عن عابري الأهمية أمثالي, والذين  يراهم صانعو الخراب عقبات تسد السبيل, كي لا أنسى كيف أغضب, وكيف أثور, ولماذا أبقى هنا, وكيف أمنع نفسي من التحول إلى صوت مازوشي في جوقة ترمي على كتف الصدفة أو القضاء والقدر, بالمسؤولية عن كل الجرائم التي تطالنا, وكأنها عقاب إلهي مستحق, ولماذا يجب ألا أتوقف عن الجري خلف الأجوبة عن أسئلة صحيحة مزمنة, كالمشنوق يحتمي بمشنقته, ويتقي بها ساطور الجلاد, ويجد في الشنق أهون الشرين, ليقينه أن الصمت على القبح مساهمة في تنشيط نسله وتناسله, والحياد أمام الفساد هو الوجه الثاني للموت اليومي المفروض, وتستر على النتيجة خوفاً من مناقشة السبب!.

لأن صناع بؤسنا يفسرون قصاصنا على صدقنا, بأنه مجرد استفسار, ويبررون موتنا العبثي بأنه أمن وقائي, وجوعنا صمود, ونشيج سيارة إسعاف تقل مجلوط, ونواح أخرى تقل ضحية, على أنه انتصار في الصمود!.

والمشكلة أن المزيدات مزاد علني ومفتوح, والمرتزقة في الداخل والخارج كثر, والوسطاء يمتنعون, ولكني خلافاً لقناعات العديد من البشر, أؤمن إيماناً راسخاً, أن الوطن هو البسطاء الذين دون حاجة لنداء, عندما يستلزم الأمر, عندما تتزلزل الأرض يتحولون بيسر شديد إلى سور للحدود, وبطانية دفء ليس فقط لبعضهم البعض, وإنما لكل الوطن.

 

إقرأ أيضاً .. تشابه الحروف!؟ ..

إقرأ أيضاً .. على ضفاف الزلزال!؟ ..

*أستاذة جامعية – سوريا
المقال يعبر عن رأي الكاتب

 

صفحتنا على فيس بوك  قناة التيليغرام  تويتر 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى