فايزة الحلبي: الفن في خدمة التراث .. ودمشق القديمة تزين الأكواب والألبسة والأبواب

الفن في خدمة التراث … حتى لو كان فن التشكيل لا يخدم -أحياناً- الفنان نفسه! خاصة في زمن الحروب وما يليها من ظروف اقتصادية تحدّ من انطلاقة سوق الاقتناء، إذ يعتبر كثر من الناس أن “لوحات التشكيل” ترف ورفاهية، في ظل أوضاع معيشية قاسية! يجدون فيها قوت يومهم بصعوبة، تماماً كما الفنان نفسه الذي ينجز تلك اللوحات.
إذ يُعرف أن كلفة لوحة الفن التشكيلي من قماش خام وألوان زيتية وإكرليك وألوان وريش وسكاكين وأدوات وتقنيات أخرى، فضلاً عن شدّ قماش الخام وتسوير اللوحات بإطار خشبي أو معدني، يكلف الكثير من المال، والجهد، والصبر، والوقت. فضلاً عن الفكرة الإبداعية التي يقدمها النص اللوني، ورسالة الفنان التي يضمنها لوحته.. دون أن نجرؤ على التطرق إلى القيمة المعنوية للمنجز الفني الإبداعي، واسم تجربة وتاريخ الفنان عينه التي (لا تُقدّر بثمن).
إذاً.. ما هي الحلول أو البدائل التي قدمها بعض الفنانين، في انتظار انقشاع هذه الغيمة التي حجبت أعمالهم الفنية الكبرى بسبب ندرة الاقتناء؟! وكيف يتدبرون أمور حياتهم الفنية؟
دردشة عاجلة مع الفنانة التشكيلية فايزة الحلبي- مؤسسة ومديرة “مرسم فيروز”، وضعتنا في “الوسط”، أمام بعض هذه البدائل التي لا تخلو من فن وجمال وإبداع، وأكثر من ذلك انها تؤكد بأن الفن في خدمة التراث.
.

.
الفن في خدمة التراث
تلك الظروف التي تتراوح بين واقع اقتصادي سيء، وإهمال -لابد من الاعتراف به- نحو فناني التشكيل الذين لا يجدون وزارة أو اتحاد أو مؤسسات تدعمهم مادياً وتقتني أعمالهم. دفعت بكثر منهن ومنهم نحو ممارسة فن التشكيل إنما ليس عبر اللوحات.
تقول الفنانة الحلبي:
“أعمل في مرسمي على إنجاز قطع تعكس تراث الشام، على مواد تكلفتها المادية واحتياجها الزمني وجهدها اليدوي؛ أقل مما تحتاجه اللوحة، والأهم تجد لها سوقاً رائجة، خاصة أنها تحمل قيمة ثقافية وفكرية واجتماعية وسياحية، قوامها خدمة التراث السوري المحلي، من خلال تكريسه على عدة مواد وقطع، مثل أكواب الشاي وفناجين القهوة. وغالباً تكون الرسوم لأحياء وبيوت دمشق القديمة التي تنتشر في باب توما وباب شرقي ومعظم البيوت داخل السور”.
.

.
الأكواب والألبسة والأبواب
لا تقتصر تلك الفنون الجميلة المتمثلة بالتراثيات التي تمنح القطع رونقاً خاصاً، على الأكواب والفناجين، توضح ذلك الحلبي، وتقول:
“تنسحب تلك الفنون على كثير من القطع المستخدمة يومياً كالألبسة. مثل القمصان وأغطية الرأس ومناديل العنق.. فأحياناً تحمل المناديل نقوش لحبات المسبحة الدمشقية أو خوابي الماء أو بحرة ونافورة البيت، وأحياناً تجمّل المناديل نقوش وزخارف من العمارة، أو حروف وخطوط تراثية تقليدية وابيات شعر قديم من تراثنا. أما القمصان “T-shirt” يمكن أن نرسم على سطحها جانب من سوق شعبي، أو قلعة، أو أبواب دمشق القديمة، أو مآذن الجوامع وأجراس الكنائس وعرائش الياسمين الدمشقي وشجر النارنج، وعربات الخيول”…إلخ
تسترسل مضيفة:
“كما أقوم مع فريق من المواهب يتقدمهم ابني عثمان، بالرسم على الجدران والأبواب في الأحياء القديمة، وكذلك جدران المدارس حين يُطلب منا ذلك”.

.
دمشق القديمة تزين كل شيء
يبدو جلياً أن هذه البدائل الفنية التي بات السوق المحلي يستقطبها، يتناغم وجودها ومبيعها مع خاصيتها.. توضح الفنانة الحلبي وتقول:
“تستقطب هذه المنتجات الفنية “التراثية” أسواق دمشق التراثية في الأحياء القديمة مثل أسواق (الحميدية- الحريقة- ساروجة- الخجا…) لذا نهتم بتوفير الإكسسوارات النسائية بحيث نرسم على قلائد خشبية صغيرة مضمومة إلى خرز تقليدي، وكذلك إكسسوارات رجالية كميداليات المفاتيح، ومجموعة من تذكارات تراثية محلية متنوعة، التي يقتنيها ابن البلاد والسائح -إن وُجد. كاللوحات الصغيرة بحجم الكف نرسم فوقها بيوت شامية أو جانب من أزياء النساء قديماً”.
.

.
مقتنيات تُشعل الحنين للماضي
حول العائد المادي من جهة، وأسعار تلك القطع المُنجَزة من جهة- المتوقع أن تكون أعلى ثمناً كونها يدوية غير مطبوعة ومنسوخة، تقول:
“لا شيء يعادل إنجاز لوحة فن تشكيلي، يصب الفنان فيها رأيه ورؤاه وإبداعه. فاللوحة وليدة شغف ومزاج.. وعائدها المادي أكبر آلاف المرات، إنما الحمد لله”.
وفي في ختام الدردشة تقول الحلبي:
“تلك القطع التي نرسم عليها ما بين (الأكواب والفناجين والقمصان والمناديل والقلائد والميداليات والبواب الخشبية الصغيرة…) جميعها في متناول القدرات الشرائية. وتشعرني بالغبطة والفرح لنني أرسم تفاصيل بيئتي ووطني، ويقبل على اقتنائها الناس، كونها تزكي “Nostalgia” لديهم، ويقتنونها لأنها تشعل الحنين في أفئدته إلى الماضي حيث دمشق الصالة والعراقة.. فإن لم يكن الفنان عبر الفن في خدمة التراث، فمن سيفعل؟!”.
.
*روعة يونس
.
صفحاتنا على فيس بوك – قناة التيليغرام – تويتر twitte