إعلام - نيوميديا

غروب أوروبا يبدأ من سوريا

أحمد الجربا ..

|| Midline-news || – الوسط  ..

هو أقرب إلى غياب غير مشروع ، أو إجازة بلا راتب منحها الأمريكي لشركائه السابقين في أوربا الموحدة ، الأمريكي  الذي لعب كثيرا في العالم منفرداً ، رغم أنه يوزع بعض الحصص للآخرين ، لكن روسيا بوتين لم تترك له الفرصة للعب وحيداً هذه المرة حين وصلت رياح الربيع العربي إلى سوريا ، فقبل شراكتها مرغماً وعلى مضض في الملعب السوري بعد أن أقصاها سابقاً بالقوة حينا وبالخدعة أحيانا ، عن مناطق نفوذها الرئيسية في المنطقة العربية ، “العراق ، ليبيا ، مصر ، اليمن ” .

الغياب أو التغييب الأوربي بدأ بالتدريج ، كان الحضور الأوربي والفرنسي واضحاً وفاعلاً في السنة الأولى من الأزمة عبر فتح قنوات تواصل مع المعارضات السورية التي تميزت بالتعدد المذهل في اتجاهاتها وتنظيماتها وارتباطاتها وتمويلاتها ، لكنه بدأ بالانحسار بعد أزمة الكيماوي عام 2013 ، حيث أخرج اللاعبان الروسي والأمريكي قصة تدمير الترسانة الكيماوية للنظام مقابل غض النظر عن ضربة عسكرية كان حلفاء أمريكا الأوربيون متحمسون لها لا سيما فرنسا ، وصل الأمر إلى تهيئة قواعد لانطلاق الطائرات الأطلسية وتحديد بنك أهداف لحرب خاطفة وحاسمة على مراكز قوة النظام السوري ، الأمر الذي كان سيشكل انعطافاً مفصلياً ومصيرياً في مآلات الصراع في وعلى سوريا فيما لو نفذ .

الشريكان المستجدان طبخا اتفاقا فاجأ الأوربيين ، نص على تجريد النظام من أسلحته الكيماوية وكل ما يتعلق بها صناعة ودراسات ومواد أولية ، فيما كان التعليق المقتضب للوران فابيوس وزير خارجية فرنسا على الاتفاق بأنه  “تقدم مهم”  وتأكيده أن باريس (ستأخذ في الاعتبار تقرير خبراء الأمم المتحدة حول الهجوم الكيماوي في 21 اغسطس “لتحدد موقفها) إشارة الى بدء القلق الفرنسي والأوربي من إرهاصات انفراد أمريكي روسي في إدارة الأزمة السورية .

لم تكن إسرائيل بعيدة عن الطبخة ، بل كانت المعد الأساسي لها ، وقد  انكشف الدور الاسرائيلي في الدفع الى الاتفاق الروسي الامريكي حول الكيماوي السوري على لسان الوزير الإسرائيلي يوفال شتاينتز الذي أكد في مقابلة يوم 15 حزيران 2015 أنه هو الذي اقترح الاتفاق الموقع نهاية عام 2013 بعد تهديدات أوباما بضرب النظام السوري في حال تجاوزه الخط الأحمر الشهير باستخدام الأسلحة الكيماوية في قمع التحركات الشعبية والمعارضة المسلحة .

وأضاف شتاينتز أنه فضّل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتينياهو عدم كشف الدور الإسرائيلي في الاتفاق مخافة أن يُرفض باعتباره ” مؤامرة إسرائيلية يجب وقفها ” ، هذا بالإضافة إلى عادة سياسة إسرائيلية ، تقوم على عدم الاعتراف بالعمليات التي تقوم بها أو التي تقف خلفها إلا في حال الضرورة .

ويروي شتاينتز أنه وبعد إعلانه في مقالة إذاعية أن إسرائيل تملك دلائل على أن نظام الأسد هو من يقف خلف الهجوم الكيماوي قرب دمشق في آب-أغسطس 2013 ، طلب دبلوماسي روسي مقابلته ، وقبل دخوله الاجتماع ، ناقش شتاينتز ومدير وزارته ، يوسف كوبرواسر ، تهديد أوباما بضرب نظام الأسد .

وأضاف ” قلنا لأنفسنا ما الفائدة المرجوة من استخدام  خمسين أو مئة صاروخ توماهوك ستسقط في قواعد عسكرية نصف فارغة في سوريا ؟ إذا كان الأمر يتعلق بضربة واحدة فهذا لن يشكل رادعاً لاستخدام الأسلحة الكيماوية ، إن أفضل شيء ممكن هو أن تقوم روسيا والولايات المتحدة بالتعاون معاً بتفكيك الترسانة الكيماوية السورية ” .

ثم بدأت تنجلي عملية الاستفراد الثنائي بالساحة السورية من خلال الدعم الأمريكي بالمال والسلاح والمعلومات مباشرة أو عبر حلفائها الإقليميين لقوى وفصائل بعينها ، مع تغييب حلفاء أوربا في المعارضة أو السكوت على تغييبهم وإبعادهم عن الفعل السياسي والعسكري ، مقابل انخراط روسي مباشر في الحرب الدائرة على امتداد الجغرافيا السورية .

الآن وبعد اتفاق كيري لافروف الذي بقي سراً في بعض بنوده الأساسية ، توضحت لعبة إبعاد الشريك الأوربي عن الساحة السورية حتى طالب أكثر من مسؤول أوربي علناً بالكشف عن الاتفاق السري بعد أن كانت الاحتجاجات الأوربية خجولة وأسيرة الغرف المغلقة .

إن تغييب أوربا عن الساحة السورية ، واقتصار دورها على استيعاب ملايين اللاجئين السوريين يمثل بدء مرحلة جديدة ربما تكون بداية تحلل الحلف الأطلسي الذي يجمع أمريكا والقارة العجوز ، بل تفكك الاتحاد الأوربي نفسه ، ” قرأ الخروج البريطاني من الاتحاد بما تمثله من رأس حربة أمريكية في جسد أوربا ” .

بالنسبة للسوريين فهو حدث سلبي يؤشر إلى انفراد قوتين متوحشتين بإدارة الأزمة ، أوربا تريد التحلل من إرثها الاستعماري ببناء ديمقراطيات مماثلة لها في الشرق إضافة إلى حضور قوى سياسية وأهلية أوربية تسعى لحل كل القضايا الإقليمية والدولية سلمياً مع التلويح بالقوة الناعمة ما أمكن ، فيما يغذي الأمريكان والروس القوى ذات النزعة الإلغائية والأحادية “أصوليين، قوميين ، يساريين سابقين” بما يضمن استمرار الحرب إلى أجل غير مسمى .

إن واجب القوى السورية الحقيقية ، أن تصر على حضور أوربي فاعل وعادل في أي محفل يخص الأزمة السورية ليس حباً بها بل لتحقيق توازن مقبول في التوازن الدولي الذي سيقرر أخيراً أي حل سياسي لإنهائها وإخراج البلاد من هذا الخراب المزمن .

موقع .. هنا صوتك 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى