العناوين الرئيسيةالوسط الثقافي

«غاردينيا» تُعيد إحياء ذاكرة الأجيال الموسيقيّة

فرحٌ كبير يسكنك لدى سماعك كورال «غاردينيا»؛ الفرقة التي تتكوّن من أكثر من عازفة ومؤدية، تقودها المايسترو السوريّة غادة حرب.

الفرقة المتميزة وقائدتها الموهوبة عرفها جمهورٌ واسع من خلال تقديمها أغنيات حفلة «شارات الكرتون» التي قدّمتها قبل أعوام، واستندت إلى أغنيات الأعمال الكرتونية التي انتشرت في الثمانينيات من القرن الماضي.

وكم كان لافتاً للمشاهدين أن الفتيات يغنين ببعض الأغنيات بلغتها الأصلية مثل الإنكليزية وحتى اليابانية.

هذا الأمر خلق أسئلة كثيرة حول هذه الفرقة ذات المواهب الكثيرة والعمل المنضبط والأصوات الجميلة، فضلاً عن المايسترو غادة حرب الموهوبة التي تقف خلف هذا العمل الجميل.

«في عام 2016 وسط الحرب التي ألمّت ببلادنا، ولاحقاً خلال فترة حجر الكورونا، أحببنا أن نقوم بشيء يشعرنا بقيمة حياتنا، وإيصال رسائل سلام للعالم.

كان هدفنا ولا يزال نشر المحبة والسلام والفن والثقافة».

هكذا تأسّس كورال «غاردينيا» النسائي كما تخبرنا المؤسِّسة المايسترو غادة حرب، مضيفةً: «تحدّثت مع صديقاتي، وكانت لدينا في البداية عشرون مغنية، من بينهن عازفة بيانو اسمها راما نصري.

وتولّت سافانا بقلة توزيع أغنيات الفرقة».

ماذا إذاً عن البدايات.

تجيب: «بدأنا ببرنامج كلاسيكي، ثم أتبعناه ببرنامج «ما أحلى أن نعيش» أو كما عرفه الناس باسم «شارات الكرتون»، ثم أتبعناه بزغاريد سوريّة، ثم حفلة في بيروت مع منظمة اليونسكو.

شاركنا بعدها في «مهرجان كورال الشرق الأوسط» وحصلنا على جائزتين: جائزة أفضل كورال إقليمي، وجائزة أفضل كورال يغني بصوت نسائي» تخبرنا حرب بفرح.

ماذا عن الفتيات المشاركات في غناء الأعمال؟ تقول حرب إنّ جميعهن «طالبات، أو خريجات المعهد العالي للموسيقى، فضلاً عن بعض الاختصاصات الجامعية الأخرى مثل هندسة العمارة والطب.

وبخلاف أنهن يغنين بصوتٍ جميل، فإنهن يعرفن قراءة الصولفيج بشكل جيد.

كثيرات بينهن يعزفن على آلاتٍ موسيقية مثل الفلوت، البيانو، التشيلو، الكمان، فضلاً عن التزامهنّ بأنشطة اجتماعية حيث يتطوعن في جمعيات خيرية كالصليب الأحمر وسواها».

يعرف الجميع أن إدارة فرقة مكوّنة من خمسة أفراد أمرٌ منهك، فكيف بمشروع يضمّ نحو عشرين مؤدية، فضلاً عن الإداريين وسواهم، فما هو «سرّ» غادة حرب، وكيف تعمل إدارياً: «نعمل في الفرقة بشكلٍ جماعي، لكن يتولى بعضنا مهماتٍ أكثر من بعضنا الآخر.

مثلاً أنا وسافانا بقلة، نعمل على تفاصيل كثيرة إدارياً، فنياً، تنظيمياً وتنسيقياً تتعلّق بشؤون الكورال والحفلات والبرامج.

تعطي الفتيات رأيهن في البرامج والأغنيات، فنحن مشروع فكري، ولسنا مشروعاً فنياً فحسب.

لذلك سعينا إلى الاتفاق على أفكار واحدة وهدف واحد، ونعرف ما هو الهدف من رسالتنا وأين نوجهها ولمن».. هنا يكمن السؤال، هل تؤثر أعمال الفرقة بشكل مباشر؟ هل لحظن كمؤديات هذا التأثير؟ تجيب حرب: «نحنُ مقتنعون بالتغيير الإيجابي الذي نقوم به بصراحة. فقبل أن يكون التغيير في الآخرين، وجدنا التغيير والتأثير الذي ننشده قد حدث في الفرقة عينها.

مثلاً في «نساء عشقن الإله» أو «الليلة الواحدة بعد الألف»، كثيراتٌ من عضوات الفرقة تأثرن بما سمعنه وقرأنه حول هؤلاء النسوة.

التغيير الإيجابي والمفيد يحدث بمن حولنا، ولاحقاً بمن يسمعنا».

يطرح عدم وجود رجال في الكورال الكثير من التساؤلات، فهل هذا الأمر حصري للفتيات؟ هل لدى الفرقة أي اعتراض على وجود مؤدين رجال في أعمالهن؟ تجيب حرب: «كورالنا نسائي، لكن الأمر ليس تعصباً.

لقد أحببنا أن نظهر قدراتنا كنساء، نضيء على إمكاناتنا.

المرأة السورية قادرة أن تكون في أكثر من مكان، وأن تثبت قدراتها ونفسها.

لكن ذلك لا يعني نهائياً أننا نرفض وجود رجالٍ معنا.

نحن دائماً نستضيف موسيقيين أو مغنين رجال معنا، بحسب حاجة البرنامج الذي نؤديه في تلك المناسبة.

ففي برنامج «شارات الكرتون»، كان معنا الأستاذ ناجي حمود، الذي قدّم معنا أغنيات الأستاذ سامي كلارك مثل «غرانديزر» و«جزيرة الكنز»؛ كذلك في «الليلة الواحدة بعد الألف» كان معنا الأستاذ ميخائيل تادرس في شخصية «شهريار».

في معظم أعمال الفرقة واختياراتها الفنية والثقافية؛ كان هناك الكثير من الرسائل. تتوقف حرب عندها، قائلةً: «في كل برنامجٍ من برامجنا كان لدينا رسالتنا الخاصة: ففي برنامج «شارات الكرتون»، كنا نريد أن نذكّر الناس بتلك المسلسلات، إذ كنا كمجتمع سوري بحاجة لتذكر فترة الأمان والسلام التي كنا نعيشها مسبقاً.

في برنامج «زغاريد سورية» وثّقنا تراثنا السوري، والإثنيات التي تعيش في سوريا وتشكّل نسيجه المجتمعي الشركسي، والكردي والسرياني والأرمني.

في برنامج «نساء عشقن الإله»، حفظنا تراث النساء المتصوّفات. في برنامج «الليلة الواحدة بعد الألف»، كان حلم حياتي أن نقوم بإنتاج «ميوزيكال» سوري عن قضايا المرأة.

النص كان مأخوذاً عن «ألف ليلة وليلة»، كتبته آنا عكّاش فيما لحنته سافانا بقلة. كانت فكرتنا أنّ الشخصيات النسائية الموجودة في النص الأصليّ لـ «ألف ليلة وليلة» ستعترض على طريقة تقديمها، ثم تحكي قصّتها بطريقتها الخاصة.

أما في برنامجنا الأخير «نجوم وأضواء»، فقدمنا أغنيات قديمة (oldies) غربية معروفة. حتى التسمية أخذناها من برنامج قديم على التلفزيون السوري كان يقدّم أغنيات لفرقة الـ «آبا»، الـ «بي جيز»، و«بوني أم» وسواها. وهي الفرق نفسها التي قدّمنا أغنياتها».

تستحق فرقة «كورال غاردينيا» الحديث عنها مطوّلاً، ليس لأنّها تقدم فناً جميلاً فحسب، بل أيضاً للجهد الكبير الذي تبذله، وإصرارها على العمل رغم كل الظروف، وفوق هذا، نجاحها في تقديم ما يمكن اعتباره إعادة إحياء للفن وليس السوري فحسب، بل العربي أيضاً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى