عن النقاد والدليل إلى الأدب الصحيح .. أحمد علي هلال

|| Midline-news || – الوسط …
ثمة تساؤل جهرت به ذات لقاء الأديبة اللبنانية هادية سعيد صاحبة رواية «بستان أسود»: هل ما يقوله النقاد دليلنا إلى الأدب الصحيح؟
لعل الكلام سيطاول أشكال النقود وضروبها التي تُمارس على النصوص والأدل في ذلك الخلاصة في هذا السياق من أن الناقد لا يمتلك الحقيقة وحده، وهو ما سيحيلنا للقول بأن أفعال النقد هي أفعال مقاربة وليست انجازاً لحكم نهائي بصرف النظر عن أن عمل الناقد لا يقوم على المديح أو الهجاء، فذلك ليس في جوهر النقد وماهيته المعرفية والأخلاقية بآن معاً، وكثيراً ما يعتقد البعض أن الناقد بوصفه كائناً مهجوراً سيما وأنه وراء النص مفككاً ومؤولاً فيما المبدع هو حاصد الجوائز الكبرى، وغيره ربما يحصد جائزة تشجيعية.
والحقيقة هنا إن أردنا مقاربتها بعيداً عن التبسيط المخل أو المبالغة الفادحة، أنه يجب أن يُنظر إلى الناقد بوصفه كائناً معرفياً ينشء حواراً مع النص المُبدَع، ليذهب إلى أقاصيه وتخومه، متكأً على معايير تجمع ما بين الذائقة والمعرفة والثقافة، بعيداً عن قربه أو بعده من صاحب النص، وذلك برأينا لا قيمة له إلا بالمعنى الإنساني العام، وما يشكل في العلاقة ما بين الناقد والمبدع هو النظرة إلى قيم الحوار، هل هي غائبة أم مغيبة؟.
هذا الحوار ذو مستويات بعينها تقتضي من الناقد أن لا يختزل المبدع في نص بعينه، فالنص يعطي إشارة عن طبيعة المبدع لكنها غير كافية إلا إذا استطاعت أدوات الناقض أن تقبض على التجربة بتراكمها الضروري عند المبدع، وكذلك فإن علاقة المبدع مع الناقد هي علاقة اكتشاف، لتتم محايثة التجربة بوعي مختلف وبمقاربة تستدعي تضافر وعي وتجربة ومرجعية تقرأ النص بوصفه تجلٍ وظاهرة، فلا تقف عنده كأثر عابر، ومن هنا يمكن القول إن النصوص الكثيرة التي كُتبت زمن الحرب على مستوى الشعر والقصة والرواية مثلاً، تحتاج إلى فرز عميق وقراءة متأنية بعيداً عن تلك الاستجابات العاطفية على أهميتها، بل سبراً لمكوناتها اللغوية والإنسانية وبحثاً عن العمق، يذهب الناقد الحقيقي ليجلو قيماً جديدة للإبداع، على الرغم من التشاؤم الكبير الذي يبديه الكثير من النقاد بصدد استقرائهم لما يُنتج وما يُكتب وما يمكن له أن يشكل تراكماً حقيقياً ينبغي قراءته بأكثر من عين وتأويله بغير بعد، يعني سياقاً بعينه، لا احتفاءً بكثافة لا كثافة لها، وبكم يسفر عن نوع ضروري، إذن كيف يعاد إنتاج صورة الناقد في وعي المتلقي أولاً قبل أن تُعاد في الوعي الجمعي الثقافي، الناقد بوصفه مكوناً ضرورياً من مكونات الثقافة بمعناها الشامل وجل أدواره تقوم على البحث والاكتشاف لتعيين القيمة، ولانفتاح المعيار أكثر منها تحقيب للأسماء والأصوات وعلى أهمية ذلك أيضاً، سيما إذا امتلك –هذا الناقد- قيم الاستشراف للإبداع بسماته الحداثية أو المتغيرة بعيداً عن توثين الأسماء، والنظر إلى التجارب بوصفها نصوصاً مفتوحة قد تشي بإرهاصات كثيفة يعلق عليها الناقد رهاناته وكي لا تصبح خاسرة ينبغي إعادة الاعتبار لدوره الذي انقطع أو انكفئ في الأعم الأرجح، ولا نعني هنا بالتبسيط إنجاز مصالحة ما بين الناقد والمبدع، بقدر ما تعني انفتاح الناقد على المبدع، وانفتاح المبدع على نصه لتأتي حفريات المعرفة قارئة للأنساق والمضمرات وليس لأمزجة الشخوص، وقارئة للآفاق الفكرية التي ترهص بها تلك النصوص، وهذه الماهية التي ينطوي عليها النقد هي استحقاق لم يعد يحتمل تأجيلاً ما أو انتظاراً ما، وأبعد «من نزهات في غابات سردية»، إلى التقاط الدلالة القصية بالإنصات الروحي والحدسي بعيداً عن ما تمليه «شللية» بعينها، وصولاً إلى استعادة مزدوجة لدور الناقد بوصفه مثقفاً ولدور الإبداع بوصفه رافعة جديرة بالحياة.