إعلام - نيوميديا

صراع الهوية ونهج المقاومة

د. رائد المصري 

|| Midline-news || – الوسط  ..

دعُونا لا نُغالي في طرحِنا لمشكلاتنا الوطنية والقومية في ما خصَّ مستوى الإنحطاط في ضربِ مفهوم الهُوية القومية والوطنية ، وهو أسْوأُ مرحلة تصعيدية تشهدها المنطقة العربية بالتحديد في إرتفاع الحدَّة بالخطاب المذهبي والطائفي العُنفي والتعبير عنه بهذه الصلافة .
كذلك وهو اللاَّفت النظرة الشوفينية والعنصرية التي يتباهَى بها بعضُ العرب وهي متأصِّلة في الموروثِ التاريخي كما نعلم ويعلم الجميع وتتمُّ ممارستها بمرور الزمن التاريخي بأن أصبحت عادة وعُرف تتباهى به المنظومات البشرية المنضوية تحت مسمَّى الدولة العربية.
لم يشبعِ العرب والمسلمون من التساؤلِ عن معنى وجودهم التاريخي ، وعن كيفية تفاعلهم مع الآخر والإعتراف بهذا الآخر من منطلق إنساني بحت ، كذلك السؤال الأهم حول التخلُّف العربي والمعنى الوجودي للوصول والبحث عن مفهوم الهوية العربية…وهل هذه الهُوية العربية إنسانية قادرة على الإنفتاح على غيرها؟ وهل هذه الهوية إنسانية تُوجب الانفتاح كذلك على كلِّ ما هو منتَج إنساني؟
هي أسئلةٌ كبيرة بحجم الوجود لأزمة تعيشُها المجتمعات العربية الناتجة عن عدم القُدرة أو الإستحالة على تحديد إطار عملي ناظم يتحرَّك فيه مفهوم الهُوية ، حيث أنَّه في كلِّ مرة يهتزُّ فيها الكيان لأيِّ أمة أو دولة أو قومية ما من الأمم أو شعب من الشعوب أو حتى فئة إجتماعية داخل المجتمع الواحد والمتناسق ، يبدأ نظام القيمِ الذي يحكم العلاقات المستقبلية بالتخلخل والتبدُّل. لقد بدأ الحديث في / وعن الهُوية للبروز فتعدَّدت المعالجات وكَثُرت التآويل ، لكنَّها أزمة أضْحت أعمق حين نريد التأسيس لحلول ترتكز على العودة أو ضرورة العودة إلى الماضي لجلب حلول للواقع. فيقدِّم العالم العربي اليوم أحدَ أبرز وجوه هذا التوجُّهِ الخطير، ففي الوقت الذي تتَّجه فيه خطابات الهُوية في الغرب نحو مستقبلٍ مشرق وحول مشتركات يرتكز تفكيرها على تحقيق دولة التنمية البشرية وضمان العيش بكرامة للمواطن ، تعود الخطابات العربية لتنهلَ من الماضي ومن أمجاده العنصرية والجِهوية والفئوية القديمة بما يعمِّق حالات التشرذم والانقسام والتطرُّف.
في الخطابات العربية تتفشَّى إلى السطح النعرات المذهبية والطائفية التي تقيم أسواراً ، بغية إنتاج أزمة … هي أزمة نظام بنيوية في التركيبة العربية ، ذلك أنَّ النظام السياسيَّ العربي الذي ترسَّخ على قاعدة المحاصصة والمحسوبيات ، لم يفرز إلى اليوم رئيساً للدولة أو للبرلمان أو للحكومة أو للقضاء أو نواباً لهم أو وزراء ، لا يعملون تحت ضغط وتأثير الهُوية القومية أو الدينية أو الطائفية أو الحزبية أو حتى القبلية. فالكلُّ وضع الهوية الوطنية جانباً ، بل رُبَّما رماها بعضهم منذ سنين.
إذن هي ليست أزمة حكومة تلك التي تعيشها البلاد بل أزمة هوية.. هُوية وطنية يمنحها الناخب والمؤيِّد للطائفي والقومي والحزبي والقبلي،لأنه ليس ثمَّة هوية وطنية تطغى أو تتقدم على الهوية الطائفية أو القومية أو الحزبية أو القبلية عند مكوّنات الطبقة السياسية المتنفِّذة حالياً. خصوصاً أنَّ المفاعيل الطائفية وتأثيراتِها تكاد تكون أكبر وأكثر بُعداً وأعمق من الدولة ووجودها لأنَّها سابقة بالأساس على وجود هذه الدولة أو تلك المؤسسة.
أعتقد أنَّ تحديد مفهوم الهُوية العربية والإسلامية من جديد والتأكيد عليها يجب أن ينبع أو أن يستفيد من الحالة المقاومة في منطقتنا ، التي وضَعت أسُساً ومعايير ثابتة وواضحة في صراعها:أولاً مع الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين ولهُويتها العربية وثانياً مع العدو التكفيري الإلغائي الذي يستخدمها كأداة من أدوات الهيمنة الإستعمارية الغربية على المنطقة العربية..وفي كلا الحالتين ضرورة الحذْو وإعتبارها أمثولة ونموذج يُحتذى به في هذا الصراع القاتل والوجودي للمنطقة العربية. فمحدِّدات الصراع الحقيقية في جوهرها والقائمة بوجهيها التكفيري والصهيوني تؤكِّد وبما لا يدعْ مجالاً للشكِّ أنَّنا بتْنا بحاجة ملحَّة إلى إعادة اللُّحمة للنسيج الوطني والقومي والتأكيد على الهوية العربية الحقيقية الجامعة ، ضمن مفاهيم القيم العليا والإعتراف بالآخر والإنفتاح وأنْسَنة العلاقات البشرية مع الغير، وبدونها لا يستقيم أي أمر ولا نستطيع التغيير مهما مرَّ علينا من صعاب وحروب وضحايا ودماء…
البناء 
 
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى