إضاءاتالعناوين الرئيسية

شيء من الخوف … أحمد علي هلال

شيء من الخوف ! … بالطبع لا نقصد هنا الإشارة إلى فيلم بعينه أو رواية بعينها، بل ما نقصده أبعد من ذلك أي ما نصطلح عليه بالثقافة الزلزالية، التي يبدو وكأنها أتت متأخرة بعض الشيء لكن اللافت هنا كثرة المتنبئين بالزلازل وهم -وللمفارقة- خارج الاختصاص.

وبصرف النظر عن تلك الشهرة التي يتوسلوها فإن عالم الميديا اليوم أصبح يعج بهم على نحو يبعث على الدهشة، وحقيقة الأمر أن يأتي هؤلاء بوصفهم يقرؤون النهايات أو يعيدون إلى الأذهان ما دونه أفذاذ من الكتاب حول أدب الرعب، ليستظهروه بطريقة مؤسية.

بعيداً على أن الخوف هنا هو أمر طبيعي، لكن المبالغة وضروب المبالغة في استعجال النهايات المثيرة، جعل الأمر وكأنه فضاء لعب تختل فيه الموازين إلى جانب ما تفعله الزلازل المدمرة والهزات الارتدادية، فهل أصبحت الديستوبيا ” Dystopia” هي حديث الناس من تقض مواجعهم وتذهب بلياليهم، وتجعل من نهاراتهم ولحظاتهم لهاثاً في إثر شي ما يحدث أو لا يحدث، والطريف في هذا السياق تلك الأمية الثقافية التي يبدو وكأنها ستطغى وتسود، بصرف النظر عن ذوي الاختصاص الذين يصغي إليهم الناس على استحياء.

هذا الزلزال الذي أحال إلى زلازل أخرى تكشفت مواضعها في الثقافة والاجتماع والإناسة أكثر مما هي ظاهرة طبيعية تاريخية مديدة، فببساطة شديدة كيف لنا أن نقرأ هذه الظاهرة، وبذات الوقت نستمر في الحياة دون أن نتطير مما حدث بزخمه الدرامي، ودون أن لا ننتبه إلى أن «الطبيعة» تتغير، وبالتأكيد دون الاحتكام هنا إلى نظرية المؤامرة، فذلك محض تخييل أوحى به بعض العرافين والذين يبدو أن سوقهم مزدهرة هذه الأيام، وعليهم أن يحصدوا العديد من الاعجابات، لعلهم يتوسلون أن يكونوا نجوم هذه اللحظة المؤسفة في التاريخ، باستغلال سرعة الخبر وضخامة “الترند”، وبطئ الاستجابة للكارثة بالمعنى الفردي، وهذا ما سيعني اعادة الاعتبار بما اصطلحنا عليه بثقافة الزلزال، التي تقرأ بهدوء وتتلقى المعطيات دون أن تحسم بتاريخ معين ماذا سيحدث، وشأن الأرض وقوانينها الأزلية أن لا تترك للنهايات الكلمة الفصل، سواء تقاربت الصفائح أم تباعدت، وسواء ثار ذلك الفالق أو غيره..
شيء من الخوف إذن.. ولنقرأ غداً أكثر مما سنقرأه اليوم.
.

*كاتب وناقد فلسطيني- سوريا
.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى