أرشيف الموقعالعناوين الرئيسيةمرايا

شرف سلافوي جيجيك المفقود .. بقلم: أيميريك مونفيل .. ترجمة: علي إبراهيم ..

 

لم تكن عودة سلافوي جيجيك, دانوب الفكر, للظهور الإعلامي متوسداً قرع طبول الحرب بصخبٍ أعلى من برنار-هنري ليفي بذاته, أمراً مفاجئاً وخصوصاً لمن قرأوا سان سيمون ويدركون كيف تعمل البنية الهيكلية لمجتمعٍ تحكمه العائلات الملكية المطلقة السلطة.

“لا يمكنك أن تكون يسارياً إن لم تكن تدعم أوكرانيا بشكلٍ لا لبس فيه” بحسب ما يقول. هذا الدعم يشمل طبعاً كتيبة آزوف والمهووسين ببانديرا وعمليات القصف التي تعرضت لها مناطق الدونباس طوال ثماني سنوات.

وفق شعار “اقتلوهم جميعاً فإنّ الله سوف يعرف جماعته”، لم نعرف خطاباً مستوحى من هذا الشعار منذ خطاب جورج بوش الابن الذي أراد من خلاله تجنيدنا في حربه على العراق مع قرع الطبول حين قال: “إما أن تكونوا مع الإرهابيين أو معنا”.

في هذه الدرجة من التعصب الأعمى، لا يعرف المرء ما إذا كان الأمر يتعلق بإهانة الفكر العقلاني الذي يدعي المرء أنه يجسده أم بإنكار وإهانة الذات.

على أية حال، فإنّ جيجيك يسيء إلى المنطق، منطقه الخاص، حين يناقض نفسه، في ” صحيفة الجارديان”، بقوله أنّه حتى لو لم تستطع أوكرانيا كسب الحرب، يجب مع ذلك وصم أولئك الذين يسميهم بازدراء “دعاة السلام” ورفض أيّ حلٍّ تفاوضي من شأنه أن يصب في مصلحة بوتين فقط. افهم إن استطعت.

في سياق نفس التفكير المضطرب، ووفقاً للفيلسوف، يجب على أوروبا أيضاً ضمان استقلالها عن طريق … “حلفِ شمالٍ أطلسي أقوى” (باللغة السلوفينية في النص).

إنّ جيجك يهين النزعة الإنسانية الأساسية عندما لا يرى في هذه العملية الحالية سوى شيءٍ لا يقل عن ميتافيزيقيا شبيهة بدوستويفسكي ويعتقد أنه مخول بكتابة الجملة التي تبرر كل هذه الكراهية للروس التي نشهدها حالياً: “كثيراً ما نسمع أنه يجب علينا رسم خطٍ فاصل صارم بين سياسة بوتين والثقافة الروسية العظيمة، لكن هذا الخط الفاصل مليء بالفجوات بشكلٍ أكبر مما يبدو “.

يقوم سلافوي جيجيك أيضاً بإهانة النهج والأسلوب الفلسفي في حد ذاتهما، من خلال العودة إلى التعصب الخالص الذي ميّز الحروب الدينية. ففي أولى كلماته في مقالته في صحيفة “دي فيلت”، يصوّر الصراع الحالي على أنه صراع “التراث البروتستانتي ضد الاستبداد الأرثوذكسي”. لحسن الحظ، فإنّ الفلسفة الغربية، من لوثر إلى جيجيك مروراً ببعض الفرسان الجرمانيين الذين يرمقون طرف مدينة كونيجسبيرج التي أصبح اسمها كالينينجراد، لديها تحالف أطلسي مناهض للاستبداد، وعدد من محبي النقوش الاسكندينافية القديمة وفيلسوف بارع لدرجة أنه يعرف كيف يتعرف على الفورعلى روح العالم عندما يعزف على البيانو بعضوه الذكري، مستعداً لغزو موسكو.

أخيراً، من خلال خشيته من الاضطرابات الجيوسياسية الحالية، والتي ليست في حقيقنها سوى تمردٍ هائل للشعوب ضد هيمنة الدولار، فإنّ جيجك يجلب العار للماركسية التي يدّعي أنه يتبناها رغم أنها فلسفة لا تكتفي بتفسير العالم بل تسعى لتغييره. بعد عشرين عاماً من تدمير العراق، ومثل العديد من الأشخاص الذين سبقوه، هاهو جيجك ينضم إلى شاحنة القمامة التي تحمل أولئك الذين يحافظون بورعٍ على قذارة العالم كما هو، حثالة كل جيلٍ تقوم الصحافة البرجوازية بإلقائها في كل موجة حرب وتقوم بإضفاء بركة النعت “جُدد” عليها.

محافظٌ جديد، هو إذن جيجيك المعتق سنة 2022؟ لا شك بذلك، لأنّ كيسنجر، من الآن فصاعداً، يعدّ مسالماً للغاية بالنسبة له. ولكن عندما نأخذ الوقت الكافي لملاحظة إعادة صياغة الأكاذيب القديمة التي يتفوه بها مهرج بائس لا يتردد في الدعوة إلى حربٍ عالمية ثالثة لإخفاء حقيقة أنه في أعماقه عاجز عن الإتيان بأي شيء غير عادي مثل كسر قوائم البطة الثلاث، فإنّ الكلمة التي تتبادر إلى الذهن هي بدلاً من ذلك ، يكون: أحمقٌ جديد.

وفي هذا الميدان، نعلم أنّ الزمن غير ذي صلة.

 

*أيميريك مونفيل هو فيلسوف ومدير دار النشر Delga ونائب رئيس تحرير مجلة الفكر.La Pensée  كتب بشكل خاص كتاباً بعنوان بؤس مذهب نيتشة يساراً ونشر العديد من الكتب لميشيل كلوسكار.

 

المصدر:

https://www.initiative-communiste.fr/articles/culture-debats/lhonneur-perdu-de-slavoj-zizek/

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى