شامل روكز نموذجًا .. والثورة المخمليّة هي الطريق !
جمال دملج
|| Midline-news || – الوسط ..
على مسافة تسعةِ أيامٍ فقط من موعد جلسة البرلمان اللبنانيّ المخصّصة لانتخاب الرئيس العتيد في الثامن والعشرين من الشهر الحاليّ، أملًا في وضعِ حدٍّ نهائيٍّ لأزمة الشغور الرئاسيّ التي توشك على الدخول في عامها الثالث، لا يزال المشهد السياسيّ العامّ في البلد يعلو ويهبط على إيقاع بارومتر نسبة حظوظ المترشّحيْن الأساسيّيْن، الجنرال ميشال عون والنائب سليمان فرنجيّة، بينما تتّجه الأنظار في الوقت الراهن إلى إمكانيّة حلّ هذه العقدة بشكلٍ أقرب إلى الصفقات منه إلى التسويات، أمام أعين أطراف “الصيغة التوافقيّة” الذين يواصلون التمترس على جبهات مواقفهم الكيديّة ضدّ بعضهم البعض.
وسط هذه الأجواء الملبّدة، غالبًا ما يطلّ العميد المتقاعد شامل روكز على اللبنانيّين بخطابٍ سياسيٍّ مختلفٍ عن النمط التقليديّ السائد، بما يتناسب مع حجم الخطر المحدق بلبنان جرّاء أكبر أزمةٍ وجوديّةٍ تواجهه منذ تأسيسه عام 1920 ولغاية اليوم، فإذا به يجذبهم بكيميائه الوطنيّة المستمَدّة أصلًا من مناقبيّته العسكريّة، وبعباراتٍ عفويّةٍ ومنتقاةٍ بدقّةٍ متناهيةٍ، حيث يشكّل الحرف إبرةَ بوصلةٍ تتّجه بالكلمةِ صوب الانعتاق في إطار الشعار القائل بوطنِ الحوار القائم على قاعدة الصدق والشفافيّة وتقبّل الآخر، من دون المساومة على الحرّيّة والسيادة والكرامة الإنسانيّة.
“إن لم نستطع إنھاء خلافاتنا الآن، فیمكننا على الأقلّ المساعدة على أن یكون العالم مكانًا آمنًا للاختلاف”.
مقولةٌ شهيرةٌ اقتبسها العميد روكز عن الرئيس الأميركيّ الراحل جون كنيدي، ليبدأ فيها كلمته أمام الجالية اللبنانيّة نهار السبت الفائت في ولاية ميشيغان، وذلك على خلفيّة ما تحمله في مضمونها من معانيَ كثيرةٍ عن الديمقراطيّة والمستقبل والتنظيم، قبل أن ينتقل إلى إطلاق رسائله المباشِرة، مشيرًا إلى أنّ “من یرید الحوار لا یجب أن ترتكز نقاط حواره على خلفیّاتٍ طائفیّةٍ وحزبیّةٍ وكیدیّةٍ، بل على مصلحة كلّ اللبنانیّین من دون تفرقةٍ، واعتبارھم شركاءَ متكافئین في الوطن، بعیدًا عن التخوین، واحترامِ كلّ من ضحّى واستشھد، وكلّ مؤسّسات الدولة”، ومشدّدًا على أنّ “قمّة الدیمقراطیّة ھي في تنظیم اللبنانیّین لخلافاتھم، وخلق مساحاتٍ مشتركةٍ للحوار في ما بینھم على قاعدة الصدق والشفافیّة وتقبّل الآخر”، ومؤكّدًا على أنّ “الخلافات التي نعیشھا في لبنان الیوم لا تشبھنا لأنّھا قائمة على المحاصصة والمحسوبیّات”، ولافتًا إلى أنّ “المطلوب ھو ثورة مخملیّة تعید لبنان القويّ”.
هذه المواقف التصويبيّة بالغة الدقّة، وإنْ كان يمكن إدراجها بلغة الإعلام في سياق الحملات السياسيّة الدعائيّة والترويجيّة لهذا المشروع أو ذاك، وخصوصًا في وطنٍ تكثر فيه المشاريع وتتعدّد وتتشعّب مثل لبنان، إلّا أنّ العميد روكز، لديه من المناعة ما يكفيه لكي يبقى منزّهًا عن كلّ ما يمكن أن يساور الآخرين من شكوكٍ حول حُسْنِ نواياه وصدقها، وذلك لمجرّد سببٍ واضحٍ وبسيطٍ مفاده أنّ كافّة المواقف الآنفة الذكر، ليست أكثر أو أقلّ من لسان حاله اليوميّ الاعتياديّ والعفويّ مع جميع ضيوفه من أهلٍ وأقاربَ وأصدقاءَ ومفكّرين وإعلاميّين، سواءٌ في مكتبه في انطلياس أم في مقرّ إقامته الصيفيّ في اللقلوق.. ومن يعرف العميد شامل روكز عن قرب يدرك مدى صدقيّة هذا الكلام.
على هذا الأساس، يصبح من السهل إدراك الحقيقة القائلة بأنّ هذا الرجل الذي قُدِّر له أن يكون صهرَ رئيس تكتّل التغيير والإصلاح الجنرال ميشال عون، وعديلَ وزير الخارجيّة الحاليّ جبران باسيل، يستحقّ بجدارةٍ الاحترام اللائق عندما يدعو اللبنانیّین إلى التخلّص من “تجّار الھیكل” بكلّ الوسائل الدیمقراطیّة، وعدم التفریط بأصواتھم في الانتخابات، وضرورة وضع قانونٍ انتخابيٍّ عصريٍّ ومتطوّرٍ، وذلك من أجل تصویب البوصلة اللبنانيّة، حتّى یعود الحاكم في خدمة النظام والشعب وليس العكس.
وعلى هذا الأساس أيضًا، يمكن التأكيد على أنّ الجولة التي بدأها العميد المتقاعد على أبناء الجالية اللبنانيّة في الولايات المتّحدة الأسبوع الماضي، تستهدف طمأنتهم إلى المستقبل، على رغم كثرة الأزمات وزیادة الفاسدین لفسادھم، “لأنّ رؤیتنا ومبادئنا واضحة وترفض المساومة على الحرّیّة والسیادة والكرامة الوطنیّة”.
وعلى هذا الأساس أيضًا وأيضًا، لا يسعنا في هذه العجالة سوى التذكير بأنّ العميد شامل روكز هو قائد فذّ، سُجِّلت له في ميادين القتال صولات وجولات في إطار الحرب على الإرهاب، علاوة على أنّ لديه دراية واسعة تفوق دراية الآخرين بكثيرٍ للخطط الاستراتيجيّة الموضوعة على طول خارطة العالم وعرضها، سواءٌ في المجالات العسكريّة أم في الشؤون المتعلّقة بإمدادات الطاقة، الأمر الذي يؤهلّه بكلّ تأكيدٍ لكي يعرف من أين يأكل لبنان كتف هذه الخطط لصالحه، خلافًا للآخرين الذين لا يعرفون سوى من أين يؤكل كتف لبنان لصالح تلك الخطط.. وشتّان ما بين الآكل وما بين المأكول.
*كاتب لبناني