نيويورك تايمز: هكذا أصبحت سوريا التي رسمت معالم عالمنا من جديد بعد الزلزال

تمثل سوريا حتى قبل الزلزال إحدى أعقد الحالات الدبلوماسية في العالم، بيد أن مهمة فك تشابك تلك العقدة باتت أصعب بكثير بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ولهذا تعتبر تركيا عنصراً أساسياً هنا، كونها عضو في حلف شمال الأطلسي “الناتو” يتمتع بعلاقات قوية مع روسيا إلى جانب إبداء رغبتها المتزايدة بتطبيع العلاقات مع سوريا.
بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا واشتداد النزاع بين الصين والولايات المتحدة، ابتعدت معظم دول العالم عن المشهد السوري ولم تعد تبدي كبير اهتمام بالحرب على سوريا هذا إن اهتمت بها أصلاً، حتى بعد الزلزال.
وحول ذلك علق أحد اللاجئين السوريين في تركيا عقب وقوع الزلزال بالقول: “إن العالم لم ينسانا، لكنه لا يعرف بأننا موجودون”.
سوريا الزلزال
أتى الزلزال ليغير الأحداث بشكل لافت في خضم الأزمة السورية التي رسمت شكل العالم الذي نعيش فيه اليوم، تلك الحرب الذي تسببت بتوسع أكثر جماعة إرهابية مثيرة للذعر في زماننا، ألا وهي جماعة تنظيم “داعش” الإرهابي، الذي يعتنق عقيدة القتل ولهذا قطعت رؤوس الكفار وجعلت قوات الاحتلال الأميركي تتورط في سوريا.
كما خطط ذلك التنظيم الإرهابي أو كان مصدر إلهام لهجمات إرهابية وقعت في مصر وفي أرجاء أوروبا، بل إنها وصلت إلى الفلبين حتى، فنشرت الفوضى وخلطت أوراق السياسة المحلية في كل دولة على سطح هذا الكوكب.
أرسل النزاع بموجات من الخائفين الباحثين عن ملجأ إلى أوروبا، ما ساهم بتسريع صعود السياسيين من اليمين المتطرف والمعادين للمهاجرين في مختلف أنحاء القارة الأوروبية، بل والعالم بأسره بكل تأكيد، ولذلك يمكن لأحدهم أن يحاجج بأن دونالد ترامب لم يكن ليصل إلى الرئاسة إلا بفضل الحرب السورية وأجواء الخوف التي خلقتها تلك الحرب.
إن كنا نعيش في عالم رسمته الأزمة السورية، فهو عالم لم يقم بشيء سوى أنه تخلى عن الشعب السوري وخذله.
من الغباء البقاء على فكرة تجاهل سوريا عقب الزلزال، نظراً للفوضى والمعاناة التي تسببت بها الحرب، ناهيك عن الوضع الراهن المفعم بالتشاؤم والذي ساد وبلغ مرحلة الانهيار أيضاً قبل كل ذلك.
ثم إن تركيا التي تعتبر أهم عنصر فاعل إقليمي، أصبحت تسعى جاهدة حتى تتعافى من الزلزال، كما لم يعد شعبها يطيق وجود ملايين اللاجئين السوريين الذين شردتهم الحرب، ولهذا بلغ عدد السوريين الذين حاولوا الوصول إلى أوروبا ذروته في عام 2022، ومع ظهور زلزال مدمر في تركيا، لابد أن يحاول المزيد من السوريين الفرار عبر البحر المتوسط الغدار.
الحرب في سوريا زعزت قبل كل ذلك الاستقرار في العالم وأعادت رسم نظامه بطرق لا تعد ولا تحصى، وفي هذه الأوقات الخطرة التي لم يتوقعها أحد، لابد للمرء أن ينتظر الأسوأ.