سهرة تنكرية للأحياء.. أحمد علي هلال
سيبدو عنوان رواية الكاتبة الكبيرة غادة السمان هو الأقرب إلى يومياتنا، وبانزياح مقصود لا يعني الموتى فحسب بل الأحياء، كما جهر الشاعر أحمد يوسف داود بتوصيف حاذق “موتى مؤجلون”، وهكذا يمكن لتلك المشهديات على مسرح الحياة بأن تكون أقرب إلى السهرة أو الحفلة التنكرية، فكم من وجوه لا ترتدي اقنعتها بقدر ما هي أقنعة بذاتها، ومن الوجوه إلى السلوك في انقلاب مثير سيطاول الكلمات والأشياء معلنةً ثقافة عصف بها الواقع بمراياه المحدبة والمقعرة، لتصبح الأدوار أكثر من تمثيل دور بعينه أو محاكاة دور ما، فهي في حالة من التماهي والالتصاق إذ يتحدث الناس مع ذواتهم بلا فواصل، أشبه بسردية روائية لا نهاية لهاز
فهل تصبح الكلمة قناعاً أيضاً في عالم لاهث ومتسارع، ومتغير باستمرار لعله طقس في حفلة تنكرية متواترة، تذكر من يمر بك سائلاً إياك عن اسمك، فيبادر إلى القول عفواً لا أتذكرك، فيما سيقول لك إنك فلان، تنفي قائلاً له يخلق من الشبه أربعين.
سهرة تنكرية للأحياء..
حتى هذه اللحظة لا نعرف كيف نصعد الحافلات ففي لحظة واحدة الصعود والنزول يصبح كلاً واحداً طمعاً بكرسي لمسافة عابرة، وحتى بائع الورد الواقف على ناصية الطريق لن يجد من يشتري وردته وعبثاً يقدمها إلى روحه، أو يمنحها لعاشقة لاهثة في اثر موعد طارئ..
يمر الناس أشبه بالأرقام الهاربة من تقويم ساذج يتزاحمون ولكل فكرة/ هاجس، يقبض عليه حتى أنه لينسى أين سيذهب، سألتني احداهن إلى تذهب هذه الحافلة؟، قلت لها على الفور لا أدري إلى أين نحن ذاهبون، صحيح أن بيوتنا قريبة كمسافة شغف مجففة، لكن الطريق إلى البيت لم يعد أجمل لأن المسافة هي مسافات تماماً كما هي الهوية هويات، وكأنني أحدث نفسي، استدارت السيدة وهي تزم شفتيها لا أدري إن فهمت علي أم لا؟!. في ذات الشارع رجل شبه عار ينام على قطعة كرتون ويتوسد حذائه، ضحكت في سري وقلت لعله شخصية هاربة من خيال روائي عتيق، لا ينبغي ايقاظه لأنه هارب بطريقته غير مكترث بالحياة.
.
*كاتب وناقد فلسطيني- سوريا
- -لمتابعتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews