سعر صرف الدولار بالعراق بين مطرقة الفيدرالي الأميركي وتهريب العملة
أعربت أوساط رسمية وشعبية في العراق عن مخاوفها من ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي بعد أن وضع البنك الفيدرالي الأميركي شروطاً رقابية مشددة تلزم نافذة بيع العملة بعرض قوائم بالدولار المباع تتضمن أسماء الأشخاص والجهات المستفيدة لبيان موقف البنك من سلامة عملية الشراء للطرف مقدم الطلب وعدم ارتباطه بجهات خاضعة للحظر أو العقوبات الدولية من قبل الفيدرالي الأميركي.
وواصل سعر صرف الدولار منذ أيام ارتفاعه مقابل الدينار العراقي في البورصة الرئيسة بالعاصمة بغداد، اذ اقترب من حاجز /160/ ألف دينار لفئة /100/ دولار وهذا الصعود هو الأول من نوعه منذ العام 2003 حتى الآن، وتسبب ارتفاع الدولار في الأسواق المحلية العراقية في ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية.
وفي محاولة للحد من هذه الأزمة أعلن البنك المركزي العراقي عن حزمة قرارات للسيطرة على سعر صرف الدولار، وناقش تداعيات ومؤشرات ارتفاع أسعار الصرف في الأسواق المحلية، وما يتعرض له سعر صرف العملة الأجنبية منذ أيام من ضغوطات مؤقتة ناتجة عن عوامل داخلية وخارجية.
مراجعة المصارف وعدم اللجوء إلى الوسطاء..
أهاب البنك المركزي العراقي بالتجار مراجعة المصارف مباشرة وعدم اللجوء إلى الوسطاء والمضاربين لتلافي تحميل استيراداتهم عمولات ومصاريف لا موجب لها، معلناً عن تسهيل إجراءات المسافرين في الحصول على العملة الأجنبية (الدولار)، وقال في بيان: “إن تسهيل الإجراءات تمّ عن طريق توسيع منافذ بيع العملة الأجنبية نقداً من خلال زيادة حصص منافذ المصارف وستتم المباشرة بزيادة حصصها”.
وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني اجتمع بمحافظ البنك المركزي العراقي مصطفى غالب مخيف واستمع إلى عرض مفصل من المحافظ بشأن ارتفاع سعر صرف العملة الأجنبية وأهم الإجراءات التي اتخذها البنك في هذا المجال، وحث السوداني على تحقيق الاستقرار العام للأسعار وسعر الصرف وفقاً للمهام المنصوص عليها في المادتين الثانية والثالثة من قانون المركزي العراقي اللتين تنصان على استهداف البنك المركزي تحقيق استقرار سعر الصرف المحلي، وتنظيم ومراقبة عمل المصارف وتعزيز سلامة وكفاءة أنظمة الدفع وتطوير نظام المدفوعات.
ودعا إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع المضاربات غير القانونية وكل ما يضرّ بالسوق المحلية ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار، كما حثّ على تفعيل خطوات بيع العملة الأجنبية بالأسعار الرسمية للمواطنين عبر الشراء بالبطاقات الإلكترونية، وفتح منافذ البيع للمسافرين، أو المتعالجين خارج العراق، أو تمويل التجارة الخارجية، وفق السياقات الأصولية والمعايير الدولية لفتح الاعتمادات المستندية والحوالات.
بدوره أكد محافظ البنك المركزي العراقي أن الأزمة بشأن العملة الأجنبية أزمة طارئة لأسباب فنية، وتزامنت مع العمل بالمنصة الإلكترونية الجديدة وتأخر الحوالات بسبب عطلة أعياد الميلاد مشيداً بقرار مجلس الوزراء رقم 352 لسنة 2022 الذي ينص على إيقاف العمل بالاستيفاء المسبق من الضرائب والجمارك عن البضائع الداخلة من المنافذ الحكومية، ومنع الازدواج الضريبي واستيفائها وفقاً للسياقات المعتمدة عند المنافذ الحدوية.
تذبذب أسعار الدولار أمام الدينار..
من جانبه أكد عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر أن العراق مقبل على ركود اقتصادي كبير عازياً السبب إلى تذبذب أسعار الدولار أمام الدينار، وحذر كوجر في تصريح صحافي من أن “تذبذب سعر صرف الدولار حالياً أمام الدينار العراقي سيؤدي الى ركود اقتصادي، وبالتالي ينعكس سلباً على اقتصاد البلد، داعياً الجهات المعنية إلى اتخاذ اجراءات حاسمة لإنهاء هذا التذبذب ووضع حدّ له وإعادة الثقة بالدينار العراقي.
تهريب العملة إلى خارج البلاد..
في هذا السياق كشف عضو لجنة النزاهة النيابية النائب علي سعدون اللامي أسباب ارتفاع أسعار الدولار في الأسواق المحلية موضحاً أن تهريب العملة إلى خارج البلاد وتوزيعها يعدّ سبباً رئيساً في الزيادة، مؤكداً أن دول الجوار هي المستفيدة الوحيدة من هذا الأمر.
وأشار اللامي في تصريح متلفز إلى أن المشكلة الرئيسة في زيادة أسعار الدولار جاءت نتيجة تهريب العملة إلى دول الجوار، مبيناً أن العراق يصرف من العملة ما يقارب 70 أو 80 مليون دولار في حين أن احصائيات البنك المركزي تشير إلى صرف أكثر من 250 مليوناً.
تحركات عراقية للتفاوض..
على هذا الصعيد كشف النائب ضرغام المالكي عن تحركات عراقية قائمة للتفاوض مع الجانب الأميركي لتنظيم عملية التعامل مع الدولار وتطبيق الإجراءات “السليمة” بهذا الخصوص، ما سيقود لإعادة انخفاض أسعار الدولار، في وقت اعتبر أن الأمر قد يقود إلى تخفيض سعر الصرف إلى 120 ألف دينار خلال ثلاثة أشهر.
وبين المالكي في تصريح صحفي أن “النواب والمواطنين، بشكل عام، عندما يكونون خارج نطاق المسؤولية لا يعلمون شيئاً عن آلية التحكم بأسعار صرف الدولار، ولكن بعد أن يكون الإنسان في موضع المسؤولية كرئيس الوزراء يكتشف أن الحكومة لا تمتلك سلطة كبيرة على الدولار كونه ينتج ويصدر من الولايات المتحدة وهي تمتلك السلطة الكاملة على عملتها”.
واعتبر المالكي أن “سعر الـ /140/ ألف دينار ليس وضعاً طبيعياً بل جرى لظروف خاصة وتوقيت معين، والوضع الطبيعي هو /120/ ألف دينار عراقي لـ /100/ دولار، وهو أمر قد يتحقق بالفعل خلال ثلاثة أشهر بعد التفاوض مع الجانب الأميركي، ورئيس الوزراء داعم هذا التوجه من خلال التفاهم مع الجانب الأميركي بهذا الشأن”.
“فضيحة القرن”..
وأشار الباحث الاقتصادي العراقي بسام رعد إلى أن السياسة النقدية وقعت بين سندان الاقتصاد العراقي الريعي الذي يعتمد بشكل كبير على الاستيرادات الخارجية في تغطية الطلب الكلي على السلع والخدمات، وبين مطرقة البنك الفيدرالي، فكل أموال البلد التي يديرها البنك المركزي لمصلحة حكومة جمهورية العراق موجودة حالياً في البنك الفيدرالي الأمبركي الذي يوفر الحماية لهذه الأموال.
وأكد رعد أن الفضيحة الأخيرة التي عرفت باسم “فضيحة القرن” دفعت البنك الفيدرالي إلى وضع شروط رقابية مشددة تلزم نافذة بيع العملة بعرض قوائم بالدولار المباع تتضمن أسماء الأشخاص والجهات المستفيدة لبيان موقف البنك الفيدرالي من سلامة عملية الشراء للطرف مقدم الطلب وعدم ارتباطه بجهات خاضعة للحظر أو العقوبات الدولية من قبل الفيدرالي الأميركي، ودفع هذا الأجراء البنك المركزي إلى الانتظار مدة سبعة أيام كأقلّ تقدير لإتمام عملية البيع.
وشدد رعد على أن هذه الإجراءات ساهمت في دفع فجوة سعر الصرف في السوق الموازية للارتفاع بنسبة معيارية تتجاوز 5% وتابع قائلاً: “عموماً هذه الحالة مؤقتة وستزول مستقبلاً لأن سعر الصرف ما زال مثبتاً في التعاملات الحكومية لأغراض متطلبات التجارة الخارجية بالسعر الرسمي /1465/ دينار للدولار بالنسبة للاعتمادات المستندية و/1470/ ديناراً للدولار بالنسبة للحوالات، وكما أن احتياطيات البنك المركزي هي الأعلى منذ عام 2003 حيث تتجاوز /90/ مليار دولار وهي كافية للدفاع عن سعر الصرف الرسمي.
المصدر: إندبندنت عربية