سجال حول الإفطار العلني .. بسام العطري
سجال حول الإفطار العلني ..
ونحن على مشارف انقضاء شهر رمضان الفضيل –أعاده الله على الجميع بالخير– لا يسعنا إلا أن نستذكر دائماً السجال السنوي المتكرر دون أن تلوح له نهاية والذي يبدو أنه لم يحظَ هذا العام بكثير من القيل والقال لما يعانيه عموم الناس من ضائقة معيشية تعصف بحياتهم!
.
فحوى هذا السجال هو انقسام آراء الناس بين معارضٍ للإفطار العلني في شهر رمضان المبارك يطالب بتدخل الدولة لزجر المفطرين معتبراً أن فعل الإفطار العلني خروجٌ عن دين وأعراف المجتمع، وبين مؤيد لحرية الإفطار العلني انطلاقاً من فكرة الحرية الشخصية وحرية المعتقد والدين ويرفض أي تدخل من قبل أي من سلطات الدولة لفرض الصيام أو منع الإفطار العلني من خلال إصدار أي نص آمر سواءٌ كان نصاً قانونياً صادراً عن السلطة التشريعية أو تعميماً أو غير ذلك. وتجدر الإشارة إلى قيام السلطات المختصة المصرية مؤخراً بضبط عدة أشخاص معتبرة أنهم ارتكبوا (جرم الإفطار العلني) في شهر رمضان، إلا أنه كان للقضاء المصري رأي آخر انتهى إلى أنه لا يوجد نص قانوني يعاقب المفطر، وأن الإفطار في شهر رمضان هو من قبل الجرم الديني الذي يعاقب عليه الله تعالى فقط، وبالتالي فلا مجال لمساءلة أولئك الأشخاص قانونياً أمام القضاء بأي جرم.
.
أما في سورية فإن معظم العاملين القدامى في السلك القانوني من محامين وقضاة يستذكرون البلاغ الذي أصدره وزير العدل الأسبق الدكتور مصطفى الزرقا أوائل ستينيات القرن الماضي والذي حمل رقم (5) وجاء في نصه ما يلي:
“علمنا أن بعض قضاة الصلح يتهاونون في الدعاوى التي تقام على المفطرين في شهر رمضان وأن البعض الآخر يطلقون سراح المقبوض عليهم بالجرم المشهود بحجة أن لا عقوبة على الإفطار علناً. ولما كان الاجتهاد القضائي قد استقر على أن الإفطار علناً يعتبر مخالفة للآداب الإسلامية التي هي من الآداب العامة ويستوجب فرض العقوبة المنصوص عليها في المادة 517 من قانون العقوبات. ولأن التساهل في قضايا (الإفطار العلني) يؤدي إلى تشجيع الاستهتار بآداب الدين التي هي من الآداب العامة. نلفت نظر السادة القضاة إلى مراعاة الاجتهاد القضائي المستمر في هذا الشأن”.
.
لا شك أن البلاغ آنف الذكر إشكالي بامتياز ويفتح باب نقاش طويل -خصوصاً من الناحية القانونية- يصعب غلقه، وليس الآن أوان الخوض فيه، وربما فعلنا ذلك في قادمات الأيام…
وعلى المقلب الآخر تماماً يتندّر بعض السوريين بطرفة قديمة يقال أنها وقعت أثناء اجتماع للحكومة السورية سنة 1945 برئاسة فارس الخوري، إذ يقال -والعهدة دائماً على الراوي كما يقولون- أن الحكومة السورية اجتمعت ذات يوم من أيام شهر رمضان المبارك عام 1945. وكان بين الحضور وزير الدفاع أحمد الشرباتي ووزير العدل سعيد الغزي ووزير الخارجية جميل مردم بك، وجميعهم مفطرون ومعظمهم يرغبون بالتدخين واحتساء القهوة لكنهم كانوا يراعون الجو الاجتماعي فلا يجاهر أحدٌ منهم بعدم صيامه في الأماكن العامة أو أمام الناس، ويبدو أن الضجر قد استبد بجميل مردم بك أكثر من باقي زملائه أعضاء الحكومة، فقام بالاتصال بعامل البوفيه وقال له:
“الله يرضى عليك يا ابني، 13 فنجان قهوة للرئيس فارس بك الخوري”!
.
أما من وجهة النظر الشخصية فإني أرى أنه لا خير في أية عبادة تتم بالإجبار والإكراه لأنها ستُدخل المجتمع قاطبة في نفق من الرياء والنفاق الديني لا ينتهي، وهذا أمر لا يصح على اعتبار أن العبادات كلها لله تعالى وهي مرتبطة وناتجة عن الحالة الإيمانية التي يعيشها الشخص، وتلك الحالة هي حالة خاصة بين الإنسان وخالقه سبحانه وتعالى.
وقد جاء في الحديث القدسي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به…”.
وقد ذكر شرّاح الحديث المراد بقوله تعالى “الصيام لي وأنا أجزي به” إن الصوم لا يقع فيه الرياء، لأنه شيء في القلب وهو بالنيّة التي تخفى عن الناس ولا يطّلع عليه إلا الله عز وجل… والله أعلم.
.
*محام ومستشار قانوني- سوريا