قراءة في زيارة الوزير المقداد إلى مصر .. زهر يوسف

وزير الدبلوماسية السورية الدكتور فيصل المقداد تباحث في مصر” أم الدنيا” جنباً إلى جنب مع نظيره المصري سامح شكري في جلستين، مغلقة وموسعة، مع الاتفاق على تكثيف قنوات التواصل أكثر في المرحلة القادمة، مرحلة تشي بالكثير من مسارات التقارب والانفتاح السوري – العربي والعربي – العربي.
على إيقاع الحدث السوري، تتحرك الصفيحة الدبلوماسية العربية عبر خطوط ومحاور عديدة ومتوازية في مشهد أقل ما يوصف أنه غير مسبوق، إذ كان من الاستحالة قبل سنوات أن ترى مشهد المصافحات والزيارات بين أقطاب حتى الأمس القريب كانت قبضات يديها مغلقة استعداد للملاكمة، وفيها من التشظي والخلافات الكثير وفق رغبة لإعادة وضع رسوم بيانية لشرق أوسط وفق معادلات أنتجتها الصراعات والاصطفاف في محاور متحاربة فيما اليوم باتت مبسوطة كل البسط للتصافح.
واتساقاً مع ما هو حاصل ومستمر، صحيح أن الزيارة هي الأولى من نوعها منذ أكثر من عقد، عشرية النار والفوضى في سوريا، غير أن الأصح أن وجود الوزير المقداد في مصر يتجاوز تقديم واجب الشكر على وقوف مصر لجانب سوريا في محنة الزلزال- على أهمية ذلك- إلى ما هو أبعد من ذلك كوضع العلاقات الثنائية بين دمشق والقاهرة على السكة الصحيحة وضخ المياه الدافئة بين البلدين من بوابة الدبلوماسية، خاصة أن تعافي العلاقة حاجة هامة وضرورية لكل من سوريا ومصر على حد سواء، فالأولى تحتاج مصر كون مؤشر الحراك تجاهها بات أكبر وأوسع، سيما ما يظهر من مسارات التقارب مع أنقرة وهنا سوريا ترغب في أن يكون للدول العربية دور فاعل ومحوري ومؤثر إلى جانب روسيا وإيران، ومصر لها مقدرة على لعب هذا الدور إذا ما أخذنا في الاعتبار الموقع والموقف المأمول اتخاذه من “أم الدنيا” كحجم ووزن وثقل، وبالتوازي، مصر بحاجة إلى سوريا لأهمية الموقع الجيوسياسي لسوريا، أضف إلى ذلك أن مروحة تحالفات سوريا السياسية منها والاقتصادية والعسكرية ممكن أن تشكل أرضية جاذبة لمصر التي لا ضير من التذكير أنها في ضائقة اقتصادية غذائية ويُمارس عليها ضغط كبير من دول كانت تسمى دويلات سابقاً، إلا أن التنافر والتباعد بين مصر وسوريا والسعودية كان مرتعاً خصباً لتضخم” معلاق” الدويلة لتتمكن من فرض رأيها كأمرٍ واقع، وهنا نذكر بتجميد عضوية سوريا في جامعة بيت العرب عام 2012، وقتها أعلن البيان حمد بن جاسم وزير خارجية قطر، وهو نفسه من قال قبل فترة إن الدوحة ومعها أطراف عدة دفعت مليارات الدولارات لإسقاط الدولة السورية وأردف ذلك بعبارة” تهاوشنا على الصيدة”.
واليوم، المشهد مختلف، ومباحثات الوزير المقداد تؤكد بشكل لا لبس فيه أن مصر من الدول المؤيدة لعودة العلاقات السورية-العربية إلى ما كانت عليه قبل عام 2011، وبأن هناك مسعى لإيجاد آلية تنسيق مشتركة مصرية – سورية لحلحلة المشهد العام وربما لنقل رسائل مباشرة لأطراف دولية، ومنها واشنطن التي ترفض التقارب مع سوريا، بأن مسار استعادة العلاقات العربية ماض في طريقه.
خاصة أن صور زيارة المقداد وحفاوة الاستقبال التي تناقلتها وسائل الإعلام على اختلاف مشاربها بقدر ما أفرحت البعض، أغاظت البعض الأخر، فمثلا أن تعرب “إسرائيل” أنها قلقة من التقارب العربي والخليجي مع سوريا فهذا في ميزان الربح والخسارة يدلل على أن “تل أبيب” تحرر ورقة رسوبها أو فشلها على أقل تقدير في شد العصب العربي أو الخليجي ضد سوريا ومحورها، كذلك أن يقول موقع مودرن دبلوماسي الأمريكي أن واشنطن تتظاهر بأنها غير مهتمة في الملف السوري، يؤشر هذا في القاموسي السياسي إلى أن صانع القرار الأمريكي يسوق كل يوم خبراً مفاده يرفض التطبيع مع “النظام السوري”، على حد تعبيره، بينما في الحقيقة الرياح تجري عكس ما يشتهيه، وأن القبضة الأمريكية التي كانت محكمة قبل سنوات وربما عقود بدأت بالتراخي، ومؤشر ذلك على سبيل الذكر لا الحصر تخفيض منظمة أوبك بلس ومنها السعودية وست دول عربية إنتاجهم النفطي ما شكل صفعة لواشنطن التي يبدو أن خيارات ردها ستكون معدومة، واكتفت حتى كتابة هذه السطور بالقول: “لا نعتقد أن تخفيضات أوبك بلس ملائمة، ولا نتفق مع السعودية لكن لا نزال شركاء”، انتهى البيان الأمريكي واضعاً الكرة في ملعب وكالة الطاقة الدولية التي عزفت على النشيد الحزائني لواشنطن بقولها إن تخفيضات أوبك بلس تثير خطر تفاقم اضطراب السوق، لنكون أمام نيوليبرالية مستجدة جل همها تحويل الدول الغنية إلى صراف بنكي تسحب منه متى أرادت والقدر التي تشاء، وتحويل الدول النامية إلى رقيق وعبيد يتوسلون دون مجيب.
ليبقى الثابت أن المنطقة أو الإقليم برمته بات في صلب تحولات محورية وإستراتيجية كبيرة تفرض مقاربات جديدة لجهة استخلاق تفاهمات مشتركة على أرضية مرنة تنطلق من التوافقات التي التئم الجرح العربي- العربي عليها كمسعى للبناء والانطلاق نحو مستقبل مستقر وآمن أحوج ما تكون إليه شعوب المنطقة ووضع الخلافات جانباً، فالعالم يتغير وبسرعة وعلينا كسوريين وكعرب اقتناص الفرصة وتطويعها وفقا لمصالحنا، فهل ننجح؟ علينا الانتظار.
إقرأ أيضاً .. بعد موسكو، الأسد في الإمارات .. أي جديد؟.
إقرأ أيضاً .. بين الرياض وطهران، اتفاق بكين .. هل نجم أمريكا إلى أفول؟! ..
إعلامية وكاتبة – سوريا
المقال يعبر عن رأي الكاتب
صفحاتنا على فيس بوك – قناة التيليغرام – تويتر twitter