روسيا بين إسرائيل وحزب الله
شحادة جمال الدين ..
خاص – || Midline-news || – الوسط ..
مع اقتراب الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لاعادة العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وإسرائيل , في تشرين الاول القادم , والتي تأتي في ظل تطور غير مسبوق في العلاقات بينهما , ما جعل سفير إسرائيل الجديد في روسيا حيفيتز تسفي من اوائل المعلنين عن المناسبة قائلا ” إن روسيا وإسرائيل تعتزمان الاحتفال بهذه الذكرى على أعلى المستويات الممكنة “.
نتيجة لهذه العلاقات خرجت العديد من التحليلات والقراءات المقاربة للدور الروسي ونمط تعامله مع شركائه في المنطقة المرتبطين مباشرة بالحرب الدائرة في سوريا على رأسهم حزب الله , حيث إتسمت هذه التحليلات بشيء من السلبية خلال محطات معينة , نتيجة الالتباس في فهم الموقف الروسي .
بناء عليه , إن العلاقة الروسية بحزب الله تفاعلت وتطورت نتيجة التلاقي الميداني حيال الحرب الدائرة في سوريا , والتي بدأت تتكشف فصولها مع إحتدام المعارك وفشل الهدنة الاخيرة , فالدور الذي يلعبه حزب الله الى جانب الجيش العربي السوري , كقوة ميدانية أساسية متمرسة في القتال ضاعفت طاقاتها وخبراتها خلال ست سنوات من عمر الازمة في سوريا , الى جانب الخبرة التي راكمتها في مواجهة إسرائيل على مر ثلاثين عاما في لبنان ولا زالت , لاقته روسيا بسلاح الجو المتطور لديها , بعد تدخلها المباشر في سوريا في أيلول 2015 , والذي أنتج نوع من عملية تكاملية في الميدان , وهو ما أكدته تسريبات صحفية عديدة لقادة ميدانيين لحزب الله في سوريا , اللذين تحدثوا فيها عن مدى التنسيق بين حزب الله وسلاح الجو الروسي , واعتبروا ان الغارات الروسية غيرت من قواعد الاشتباك , وهو ما أغنى عن تدخل بري روسي مباشر في الحرب السورية , كان سيشكل لعبة استنزاف خطيرة لها .
وكان الرفض الروسي للعرض الذي قدمه وزير خارجية امريكيا جون كيري , بتصنيف حزب الله منظمة إرهابية , كشرط من شروط الحل السياسي , أكبر دليل على المدى الذي وصلت اليه العلاقة الروسية بحزب الله , حيث كانت الغاية من العرض الامريكي الضغط لسحب حزب الله من سوريا , سرعان ما ردت عليه روسيا بأن ” الذي يتحدث اليوم عن انسحاب حزب الله سيتحدث غدا عن انسحاب الخبراء الايرانيين وبعد غد عن الانسحاب الروسي ” , لذلك فخروج حزب الله من سوريا يعني بشكل او بأخر تهديد لوجود روسيا التي بدون حزب الله ستجر الى حرب استنزاف وتورط بري , من هنا أصبح حزب الله معادلة اساسية بالنسبة للقيادة الروسية تتعدى الالتزام بالقتال الى جانب الجيش السوري لتصل الى وجود روسيا في سوريا .
بناء عليه يبقى السؤال الاساسي , هل العلاقة الروسية بحزب الله تنحصر بحدود الجغرافيا السورية , وهل دعم حزب الله يرتبط فقط بوجوده كحزب لبناني ضمن العملية السياسية الداخلية في لبنان , أم أن هناك ترابط قوي بين الجيوبولتيك اللبناني والجيوبولتيك السوري , وما هو دور حزب الله فيه , وكيف تقاربه القيادة الروسية .
من الخطأ الاعتقاد بان القوة التي يستمدها النظام في سوريا من حزب الله , تنحصر فقط بقتال الحزب الى جانبه في المعارك الدائرة في سوريا , فالارتباط الوثيق بين الجيوبولتيك اللبناني والجيوبولتيك السوري , يجعل من اي قوة معادية تسيطر على لبنان وخاصة المناطق الشرقية منه في محافظتي البقاع وبعلبك_الهرمل , تهديدا مباشرا للدولة السورية وعاصمتها دمشق , لذلك اعطت الاستراتيجية العسكرية السورية أهمية كبرى لهاتين المحافظتين في لبنان والتي كانت تُعرف سابقا بسهل البقاع , الذي كان المحور الرئيس في حرب سوريا مع إسرائيل بعد ان فقدت مواقعها السابقة في الجولان حتى ظهور حزب الله كقوة أساسية في لبنان وإنتصاره على إسرائيل عام 2000 .
وكانت القيادة السورية تلقت قبيل إجتياح عام 1982 نصائح سوفياتية , تفيد بان ” اي هجوم إسرائيلي على دمشق سيأتي من جهة البقاع الغربي لان العاصمة السورية تبعد عن الحدود اللبنانية في تلك المنطقة حوالي 28 كلم فقط , فمحافظة البقاع تعتبر هي احد جبهتي الالتفاف على العاصمة دمشق , أما الجبهة الثانية فهي جبهة الرمثا _درعا من الحدود الاردنية باتجاه دمشق .
اما محافظة بعلبك _الهرمل فهي لا تقل شأن عن محافظة البقاع من الناحية الاستراتيجية بالنسبة لسوريا , حيث كانت خلال حربي عام 1967 و 1973 , الممر الطبيعي للطيران الاسرائيلي في عملية ضرب المراكز الحيوية العسكرية والاقتصادية في المدن الداخلية السورية , عندما قام الطيران بتاريخ 9 و 10 تشرين الاول 1973 بضرب مصفاة حمص والمراكز العسكرية فيها .
فمحافظة بعلبك _الهرمل تشكل حركة الالتفاف الطويلة على العاصمة السورية دمشق بالنسبة لاسرائيل , فسيطرتها عليها ان كان جوا أو برا سيؤدي الى تهديد إسرائيلي بعزل المدن السورية الداخلية كحمص وحماة وحلب عن العاصمة , بالاضافة الى التهديد بقطع الطريق الذي يربط الساحل السوري بها , ما يجعلها واقعة بين فكي كماشة , الجولان من جهة ومحافظتي البقاع وبعلبك_ الهرمل من جهة أخرى , وهو ما سيؤدي الى قطع الخطوط الداخلية للدولة السورية وقطع منفذها البحري الوحيد في طرطوس واللاذقية عن العاصمة دمشق .
إن خطورة الحدود اللبنانية _السورية بالنسبة لسوريا أنها تجاور العاصمة دمشق إنطلاقا من ريف دمشق الغربي , وتقع على خط موازي للطريق الذي يربط الساحل بالعاصمة الذي يمر في القلمون , كما انها تقع على مرمى حجر من مدينة حمص وسط سوريا , وتحاذي مناطق الساحل السوري في طرطوس حيث محافظة عكار في شمال لبنان .
حزب الله يمسك اليوم بأهم مفاصل الجيوبولتيك السوري , وبات بعد ثلاثين عاما من الصراع مع إسرائيل على ارض لبنان خط الدفاع الاستراتيجي عن العاصمة السورية دمشق , وهو اليوم يشكل القاعدة الصلبة التي تستند اليها القيادة السورية في منع تحويل لبنان الى خاصرة رخوة لسوريا , تنطلق منها المؤامرات , كما كانت زمن حكم اليمين اللبناني قبل الحرب الاهلية في لبنان .
فلو كان لبنان في حالة عداء مع الدولة السورية , هل كنا سنتكلم عن عرسال , على أنها قاعد إمداد لوجستي للمسلحين في جرود القلمون , وهل كانت المجموعات التكفيرية ستعمل على محاولة إنشاء حزام على طول الحدود اللبنانية السورية يبدأ من تلكلخ الى القصير فالقلمون والزبداني وصولا الى حرمون لعزل حزب الله جغرافيا عن الميدان السوري . أم ان الوضع كان سيشبه الى حد بعيد الحدود التركية_السورية , حيث يتدفق آلاف المقاتلين على طول الحدود من إدلب الى الحسكة .
لذلك إن التطابق في وجهات النظر الروسية مع حزب الله حول حتمية بقاء الرئيس الاسد كضمان لبقاء الدولة السورية , وبما أن روسيا تعتبر أن تحصين وحماية المناطق التي يسيطر عليها النظام سوريا يشكلان مرتكزاً اساسيا لصموده , يشكل أيضاً حزب الله شريان الدعم الميداني المركزي له إضافة الى انه يحمي خاصرة الدولة السورية من ناحية الحدود اللبنانية .
لذلك بات واضحا بان حزب الله يقع في صميم المشروع والرؤية الروسية في المنطقة , لان ترابط المعادلة الدولية حيال الازمة السورية يبدأ بموسكو وينتهي بجنوب لبنان مرورا بدمشق وطهران . ومخطئ من يعتقد بأن مصلحة روسيا العليا في سوريا محصورة بالجغرافيا السورية فقط .
ورغم تطور العلاقات الروسية _الاسرائيلية , الا ان روسيا أعلنت بشخص سفيرها في لبنان السيد الكسندر زاسبكين في آيار من هذا العام , خلال لقاء معه ” ان روسيا منفتحة على كل الافرقاء في المنطقة , وهي لن تتخلى عن شركائها ” , حيث جاء كلامه في معرض الرد على نية إسرائيل ضم الجولان اليها معتبرا ” أن هناك قانون دولي وقرارات أمم متحدة ومفاوضات السلام العربية _الاسرائيلية كلها تؤكد ان الجولان حق من حقوق سوريا ويجب العودة الى حدود العام 1967″ .
فهل ستتدخل روسيا لوقف العدوان في حال إقدام إسرائيل او اية قوة غربية على إستهداف حزب الله , بذريعة تطبيق قرارات الامم المتحدة وعلى رأسها القرار 1701 , وهي تدرك جيدا ، أي روسيا ، أن الهدف من الحرب هو دفع حزب الله الى الخروج من سوريا , وهو ما رفضته كما ذكرنا سابقا .
- كاتب ومحلل سياسي – لبنان