رماح بوبو: الحرب غيّرت في شعري ودفعتني للنظر أبعد من هذا الخراب
الشعر رسالة جمالية مكتنزة بالمعنى.. ومخاضه مؤرِقٌ وممتع معاً

|| Midline-news || – الوسط …
روعة يونس
.
تسرّح شَعر مفرداته، تجدل معانيه ضفائراً، تحكل عيونه بصور رائعة، وتهندم له ثوبه اللائق. وكيف لا تهندس الشِعر هكذا! وشاعرتنا رماح بوبو، هي في الأصل مهندسة.
تحظى نصوصها في الساحة الثقافية بترحاب وحفاوة، لأن رماح بوبو شاعرة حققت حضوراً جميلاً، وتجربتها كشاعرة شابة يعوّل عليها بحق.. تؤكد ذلك مجموعاتها الشعرية، ونصوصها وومضاتها التي تضيء آفاق وسائل الإعلام والإنترنت في آنٍ معاً.. فضلاً عن ثقافتها وآرائها الجديرة بالاهتمام.
لعل الجائزة؛ ذات مرة، قد لا تكون مقياساً للشاعرية وجودة الشعر.. أوافقكم.
لكن جائزة فثانية فثالثة فرابعة، يعني تأكيد على التميز والجدوى والجدارة، يعني إجماع على اسم رماح بوبو شاعرة حقيقية، نالت العديد من الجوائز، وكانت جائزة جميلة في حوار “الوسط”.

“عالم واسع”
قارئ مجموعاتك الشعرية، موعود بفضاءات من اللغة المبتكرة، والصور الشعرية الهائلة، وحضور الفلسفة والتاريخ، ومفردات معاصرة. إنما في مجموعتك “تفاحتي وقد سرقتها” بدا لي من العنوان أننا سنكون مع ثنائية آدم وحواء، لكنكِ ضللتِ القارئ، وأدخلته عالم الحرب والحب معاً؟
لقد أردت العنوان ملتبساً.. التفاحة هنا هي جسد الإغواء المشتهى وليست ذاته.. وذاته لدي هي الشعر الذي لا نناله حقاً دون ارتكابات بحق الشرع.. أما عن عالم الشعر فهو أوسع من أن تحيطه ثنائيات أو ثلاثيات أو أي تخوم. لأنه أنفاس كل الموجودات. هو أفكار الهواء، تفاصيل الفراغ، ومتوالية الاحتمالات التي لاتنتهي.
“البحر يبحث عن أزرقه” عنوان مجموعة لكِ، ويعني العنوان فيما يعنيه، الفقد، وضياع الهوية. مثلما يحمل جغرافية المكان أو ربما جغرافية الروح والمعنى؟
بالضبط. هو عنوان يقول: ثمة خراب كبير أكل اللون، سرق الأمل والأمان، لكن لم يزل للقصة بقية. وها هو بحر الشعر يسعى لاستعادة الأزرق المبشِّر من عبث الرمادي.
.

.
“الوعي والعاطفة”
في المجموعتين يُلاحظ القارئ، أنكِ ناطق رسمي بمشاعر الأنثى.. وثمة إشكالية فيما يخص الشعر النسوي. أيهما يتبع: جنس الشاعر، أم جنس الشعر بما يطرحه من آلام وآمال وقضايا؟
أقبل تسمية الشعر النسوي فقط ان كان المراد منها الإشارة الى الشعر الذي تكتبه نساء، أما عن الشعر فهو زلقٌ، واسعٌ. لا يحيطه أي تصنيف. فإن كنت تلاحظين أن شعري ناطق باسم الأنثى فهذا ربما ببساطة لأنني أنثى. أرى الأشياء والأحداث بوعي ذات إنسان ولكن بعين وعاطفة أنثى، أي لم أتعمد هذا الدور أبداً. بل أجد الشعر فوق الجنس والأجناس. حتى يحدث أن أتساءل أحياناً هل سنتمكن يوماً من قراءة قصائد يكتبها الحجر والعشب.
الشعر، على عذوبته.. يعذّب، فكما تعلمين للغة رهبتها، لا أدري إن كان الشعر يوجعك خلال مخاض القصيدة؟
.
.
“رسائل قيّمة”
الإبداع يفرض -غالباً- على صاحبه مسؤوليات أو لنقل حمل رسالة. أيفترض أن يكون الأمر على هذا النحو؟ أم أن إنجاز الشعر للشعر فقط؟
برأيي لا يوجد حقيقة مايسمى الشعر للشعر لأن الشعر بحد ذاته رسالة جمالية، وأي جمال هو مكتنز بالمعنى والقول.. أعلم ان الرسائل العقائدية أثقلت كاهل الشعر تاريخياً، وقصقصت من مدى أجنحته، وحتى كادت تبعده عن حقوله الأوسع (وهذا نتيجة لضعف الصائغ لا المصوغ ) لكن وبعيداً عن الخطابة الفجّة ما الشعر إن لم يكن حركشة في السكون وإزاحة الستار عن المحجوب ووخز في خاصرة الساكت والمسكوت عنه؟ وكلها رسائل قيّمة برأيي.
سؤالي أعلاه ينطلق من احتمالية أن تكون كينونة الشعر لديكِ اختلفت عن ما كانت عليه قبل الحرب على سورية؟
قد يفاجئك جوابي! نعم تغير في شعري الكثير بعد الحرب. فقبلها كنت متورطة تقريباً في الشعر المجنّد في سرايا الوطن، المرأة، العقيدة….إلخ. لكن الحرب التي هزتنا جميعاً. وحجّمت دور الفرد المبدع أمام تغوّل القوى العظمى. دفعتني للنظر أبعد من هذا الخراب. لأوقن أننا ذرات عابرة فقط، و ما على الشعر الاّ التسلق أعلى من سقف التفاصيل الرديئة، والتلصص خلف هذا المُعاش، عله يكتشف مخبأ الجذوة التي لا تفتأ تهب الكون حركته، اضطرابه، جنونه وجماله.
.
.
“ظاهرة إيجابية”
الأمسيات الشعرية -بتقديري- ليست فقط لقاءً بين الشاعر والجمهور. وليست أهدافاً تضاف إلى رصيده. ولا اكتشاف قدراته الإلقائية. ألا يشغلك التأثير في الجمهور وإيصال نصوصك إليه لأن الثقافة البصرية- القراءة، لا تكفيكِ، وترومين إيصال روحك وروح الشعر إلى الآخر؟
في قرارة نفسي أعرف جيداً أن الجمهور العربي الذي أنشده يزداد انكفاءً وبعداً، إثر (ثورات الربيع العربي) وما تلاها من حروب و هزّات في بنى المجتمعات وانهيار في اقتصادها، لدرجة بات معها الاهتمام بالثقافة ومتابعة شؤونها شكل من أشكال الترف والبطر.
نعم أود لو أصل أكثر، ولكني أريد أن أذكر هنا إن لقصيدة النثر خصوصيتها إذ أنها لاتعتمد القافية والنظم الذي يشعل حماس الحضور بوقعه وغنائيته وهذا يعني أن فرص وصولها إلى وجدان القارئ بالقراءة دون اعتماد المنابر أكبر، ووسيلتي الغالبة لذلك صفحتي على “فيسبوك”.
شاعرة لها حضورها ومكاتتها، وثقافتها. لا بد من سؤالها عن رأيها في الحركة الشعرية الشابة التي تنتمي إليها. كيف تنظرين إلى واقعها، ولا أقصد الحركة الشعرية (النسوية) فقط؟
يلفتني العدد الكبير جداً لمن يكتبون الشعر. وأجدها ظاهرة إيجابية فنحن أمام مرحلة تحوّل، فرضتها علينا أحداث العقد المنصرم.. إذ كان لا بد للأجيال من وقفة أمام ما تشربته في فترة تنشئتها الأولى وشبابها من شعارات وأحلام و ثوابت قومية، وطنية، دينية. وما تمخض عنه الواقع من هشاشة وزيف وسقوط مقولات ورموز! وهذا ما يدفع بالمرء لمحاولة اكتشاف ذاته في هذه الزوبعة ومعرفة أين بات موضع قدميه.
والشعر هي الوسيلة الوحيدة تقريباً التي تقبل التساؤل وتعفو عن الإجابة. أما عن مدى جدارة مايكتب تحت عنوان الشعر بهذه التسمية فبالتأكيد يحتاج إلى الكثير من النخل والفرز، دون أن يعني ذلك أن المرحلة لم تطرح أسماء لافتة سيكون لها اسمها اللامع في خريطة الشعر.
.
“إصدار جديد”
لابد من وجود مشاريع جديدة أو كتاب تعملين عليه. أخبرينا ماذا عن جديد رماح بوبو؟
في بعض الحوارات، يحدث أن يتمنى الضيف -وأنتِ صاحبة البيت- لو أن الصحفي وجّه إليه “سؤال” هل كنتِ تنتظرين أن أطرح عليكِ سؤالاً في جانب تودين الحديث عنه، وفاتني ذلك؟
لا ، لا يخطر ببالي أي سؤال آخر.. فأسئلتك مكثفة دقيقة وأنيقة. أشكرك جزيلاً لاستضافتي في موقعكم المميز.. تحياتي للجميع.