راشد الغنوشي :رجل الدين الذي خلع جلبابه ليرتدي ربطة عنق السياسي

الإعداد: شهناز بيشاني
راشد الغنوشي: “محنك سياسيا وله خصال الحرباء وأظهر أنه يتأقلم مع كل الأوضاع بما في ذلك التخلي عن مبادئه” هذا ما يراه محللون سياسيون ..فمن هو راشد الغنوشي الاسم الذي تصدر عناوين مواقع التواصل الاجتماعي في الساعات الأخيرة، بعد الأحداث التي جرت في الدولة التونسية .؟
يتولى راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية في تونس منصب رئيس البرلمان التونسي. ويعد الغنوشي المقرب من الاخوان المسلمين أحد أقوى الشخصيات التي تحكم مسار تونس بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي.
-يعد من مؤسسي حركة النهضة التي كانت تسمى قديما بحركة الاتجاه الإسلامي، حكم عليه اكثر من مرة في عهد الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي بسبب نشاطه، وفي عهد زين العابدين بن علي تم نفي راشد الغنوشي الى بريطانيا وبعد سقوط النظام عاد مرة أخرى الى تونس
وتدنت شعبية رجل السلطة الثاني في البلاد والأول في حزبه خلال السنوات الأخيرة، حسب استطلاعات للرأي. وواجه منذ أن تولى رئاسة البرلمان إثر انتخابات 2019، معارضة شديدة من أحزاب في البرلمان حيث يرأس أكبر كتلة ولكن من دون أن يتمتع حزبه بالأغلبية، وتقدم معارضوه بعريضة لسحب الثقة منه لكنه تمكن من البقاء إثر مناقشات وتصويت دام ساعات طويلة.
-ولد راشد الغنوشي في 22 يونيو/حزيران عام 1941، في قرية الحامة بولاية قابس التونسية.
ونشأ في أسرة بسيطة تعمل في الزراعة، وشارك الأسرة العمل في الحقل وبيع المحصول بجانب دراسته. وتسبب ضنك العيش الذي كانت تعيشه الأسرة في انقطاع الغنوشي عن الدراسة لمدة عام، جراء تعثر الأب في توفير المصروفات الدراسية.
وتلقى تعليمه الأساسي والجامعي في تونس، إذ حصل على شهادة في أصول الدين من جامعة الزيتونة في تونس العاصمة.
عُيّن في بداية حياته معلما في قصر قفصة عام 1963، حيث عمل على جمع المال اللازم لاستكمال دراسته الجامعية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 1964، اتجه لدراسة الزراعة في جامعة القاهرة بمصر. لكن سرعان ما حال الظرف السياسي دون استكمال الغنوشي لدراسته، إذ شُطب اسم الطلاب التونسيين من القوائم بعد ثلاثة أشهر، وطلبت السفارة التونسية في مصر منهم مغادرة البلاد بسبب تصاعد التوتر السياسي بين النظام الناصري والرئيس التونسي آنذاك الحبيب بورقيبة، بشأن اغتيال المعارض السياسي صالح بن يوسف، الذي دعمه الرئيس المصري جمال عبدالناصر .
وكانت دمشق هي المحطة التالية للغنوشي، حيث حصل على شهادة في الفلسفة عام 1968، ثم انتقل في العام نفسه إلى جامعة السوربون في باريس لاستكمال دراساته العليا.
التنقلات السياسية:
وخلال إقامة الغنوشي في مصر، أُعجب بالتوجه الناصري وتشبع به. وكان قوميا ناصريا، يرى ضرورة توحيد الفكر الناصري مع التيارات القومية الأخرى مثل حزب البعث. وحمل معه هذا الإعجاب إلى سورية.. لكن، بحسب موقع الغنوشي الرسمي، لم يدم هذا الإعجاب سوى عام واحد.
وفي أعقاب ذلك، نأى الغنوشي بنفسه عن الانتماء لأي توجه سياسي حتى عودته إلى تونس في أواخر ستينيات القرن العشرين. وكان بورقيبة يعمل آنذاك على دعم التوجه الإسلامي لمواجهة المد اليساري والماركسي.
وفي عام 1970، انضم الغنوشي إلى جمعية المحافظة على القرآن، بجانب عبدالفتاح مورو وعدد من الشخصيات التي أصبحت رموزا سياسية في حركة النهضة لاحقا. وعملت هذه المجموعة على تقديم دروس في المدارس والجامعات والمساجد.
وفي أبريل/نيسان 1972، عُقد المؤتمر التأسيسي للجماعة الإسلامية في تونس، والتي تغير اسمها إلى “حركة الاتجاه الإسلامي” في ثمانينيات القرن العشرين، ثم أصبحت “حركة النهضة” عام 1989.
وحوكم الغنوشي مرتين في ظل نظام بورقيبة، الأولى عام 1981 بتهمة “التورط في أعمال إرهابية”، وحُكم عليه بالسجن 11 عاما، قضى منها ثلاثة ثم خرج عام 1984 في عفو رئاسي.
أما المرة الثانية فكانت في سبتمبر/أيلول 1987، إذ حُكم عليه بالسجن المؤبد، ثم طلب بورقيبة تغليظ العقوبة إلى الإعدام. لكن وصول زين العابدين بن علي إلى الحكم في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام حال دون تنفيذ الحكم.
وفي مايو/أيار 1988، أمر ابن علي بإطلاق سراح الغنوشي، الذي حاول الاندماج في المشهد السياسي الجديد، وتقدم بطلب لتقنين أوضاع حركة النهضة (الاتجاه الإسلامي سابقا) في مطلع عام 1989.
لكن نظام بن علي رفض طلب الغنوشي، ورفض ترشح أعضاء حركته في الانتخابات. وعمد إلى التضييق على الحركة وأعضائها سياسيا حتى غادر الغنوشي البلاد في أبريل/نيسان 1989، ولم يعد إليها حتى عام 2011.
انتقل الغنوشي إلى الجزائر، ثم إلى السودان حيث أقام حتى حصل على اللجوء السياسي في بريطانيا في أغسطس/آب 1993.
وما بين مغادرة تونس والوصول إلى بريطانيا، صدر بحق الغنوشي حكمان بالسجن مدى الحياة بتهمة التآمر ضد رئيس الدولة.
وطوال سنوات المنفى، حاول الغنوشي الاستمرار في نشاطه السياسي، فظل رئيسا لحركة النهضة، ودأب على حضور المؤتمرات والندوات الدولية عن الإسلام السياسي والإسلام والحداثة.
وبعد سقوط نظام ابن علي، عاد الغنوشي إلى تونس في 30 يناير/كانون الثاني 2011، وكان في استقباله الكثير من مؤيديه ومؤيدي حزب النهضة.
بعد عودته، عمل الغنوشي الذي اعتبر لفترة طويلة متشددا مقربا من جماعة الإخوان المسلمين المصرية، على محو كل أثر للتطرف الإسلامي في خطابه، وأصبح يقدّم نفسه على أنه معتدل يقود حزبا شبيها بحزب العدالة والتنمية في تركيا.
وقبلت الحركة عدم تضمين الدستور التونسي الجديد الذي أقرّ في 2014، العمل بالشريعة الإسلامية.
يعتبر الغنوشي شخصية مثيرة للجدل، فالبعض يصفه بالإسلامي المتشدد في حين يرى فيه آخرون سياسيا براغماتيا متلونا مستعدا للتضحية بكل شيء مقابل البقاء في السلطة.
وقال ناطق باسمه آنذاك أن الغنوشي “يدرك جيدا أنه لن يترشح لأي انتخابات ولن يترشح لأي منصب سياسي”. كما أعلن سعيه لتسليم قيادة الحركة لجيل جديد من الشباب.
لكنه منذ ذلك الحين، أصبح واحدا من أهم اللاعبين في المشهد السياسي التونسي. وتحالفت حركة النهضة بقيادته مع حركة نداء تونس لصياغة الدستور الجديد ما بعد الثورة.
-طالما قدم راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة في تونس، نفسه باعتباره النسخة الأذكى والأكثر حكمة بين قيادات التنظيم الدولي للإخوان، للدرجة التي جعلته يصفهم جميعا بالغباء في أول اجتماع أعقب ثورة 30 يونيو / حزيران في مصر واستضافته العاصمة التركية إسطنبول عام 2014، وفقا للتسريبات التي خرجت عن الاجتماع في ذاك التوقيت.
وعلى النقيض من النصائح التي طالما أسداها الغنوشي لمكونات العملية السياسية، في البلدان العربية وخاصة لأبناء تنظيمه، بضرورة التحلي بالكفاءة والقدرة على تجاوز الأزمات والمرونة السياسية، كانت السنوات الأخيرة من رئاسته لحركة النهضة مليئة بالأزمات الحالكة سواء على مستوى الداخل، والصراع المستميت بينه وقيادات الحركة على رئاستها، أدت لانشقاق عبد الفتاح مورو أحد أبرز قادتها، أو على مستوى التعامل السياسي ما بين النهضة ومكونات العملية السياسية في البلاد.
وعلى مدار سنوات ترأس فيها الغنوشي برلمان الشعب لم يمر يوما بدون أزمة مع أحد القوى السياسية، الأمر الذي بلغ ذروته عقب اختلاق صراع مع الرئيس التونسي قيس سعيد والمساعي الحثيثة من جانب الحركة لسحب الصلاحيات الدستورية من الرئاسة وعزل “سعيد”، فضلا عن احتدام الأزمات مع القوى السياسية والحزبية ومحولة اختراق وتطويع المؤسسات وفي مقدمتها القضائية.
فالعديد من الأوساط السياسية في تونس تحمل راشد الغنوشي المسؤولية عن صعود تيار السلفية الجهادية والإرهاب، خصوصا بعدما أدلى بتصريح صحافي في 2012 قال فيه إن “معظم السلفيين يبشرون بثقافة ولا يهددون الأمن” قبل أن يعلن لاحقاً أن “هؤلاء الناس يمثلون خطراً ليس على حركة النهضة فقط بل على الحريات العامة.
كما أن حركة النهضة التي يتزعمها، لا تزال في مرمى الاتهام والشبهة في ملف اغتيال محمد البراهمي وشكري بلعيد، خلال حكمها للبلاد عام 2013.
كان آخر ظهور للغنوشي أمام أبواب البرلمان في جوف الليل بعد أن أصدر الرئيس قيس سعيد قرارا مساء الأحد الماضي ، بتجميد عمل البرلمان وإعفاء الحكومة ضمن عدد من القرارات التي تدخل ضمن صلاحياته الدستورية للتدخل في حالة وصول البلاد إلى مرحلة تهدد السلم وأمنها الاجتماعي .
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك:https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews