قال “دولة مؤسسات” قال !! .. “فيفتي فيفتي”

للأمانة، بحثت كثيراً عن صورة أحد مستورديّ مادّة غذائية وعبثاً وصلت، لكنّ أحد المندوبين الموزّعين للمادة في الحيّ الذي أقطنه، والذي وصل بشاحنته الصغيرة واستقبلته المحلّات استقبال الفاتحين وكذلك الجماهير المحتشدة، قال لي ما شأنك بصورته؟، هو شخص عادي مثلنا مثله!..
في الحقيقة تفاجأت بهذا الأمر لأنني رسمته في خيالي بطول عشرين متراً، و بوزن طن من العضلات المفتولة مع لباس واقٍ ضدّ الرصاص والمدافع والصواريخ، مع جحافل المرافقين لهذه الشخصيّة العظيمة المستوردة لمادّة المتّة، والذي حاولت “دولة المؤسسات” التي انتصرت على مئة وثمانين دولة أن تتصل به لسؤاله عن سبب ارتفاع سعر مادّة المتّة التي يستوردها “خص نص”، دوناً عن البشر!، لكنها لم تنجح أيضاً بالوصول إليه!..
فأيّ شخصيّة هذه التي لا تردّ على الدولة؟.
إقرأ أيضاً .. “إمساكٌ بمعروف، أو تسريحٌ بإحسان” ..
هنا .. نحن أمام خيارين ..
إمّا أنه عملاق من كوكبٍ آخر ولا يحسب حساباً لبني البشر مجتمعين، ولا يقيم وزناً لدولة سحقت ومحقت العالم كما تدّعي..
أو أن يكون المسكين مثلنا، وهاتفه مغلقاً بسبب نفاد الشحن نتيجة انقطاع الكهرباء، أو أنه يبحث بطول الأرض وعرضها عن حشائش الأرض لإطعام أبنائه الجياع!، واخلق لأخيك سبعين عذراً..
بطبيعة الحال، وبعد تبويس شوارب وذقن العملاق الذي أرسل مندوباً عنه ليفرض السعر الجديد متذرّعاً بأنّ ثمن الغلاف الخارجيّ للمادّة قد ارتفع، وبالتأكيد “دولة المؤسسات” طيّبت خاطره واعتذرت منه وتماهت معه لفرض التسعيرة الجديدة وفق جدول أسعارها الذي لاوزن له في الأسواق، وكرَّست العداوة مع الحلقة الأضعف “أي الشعب” الذي سيتحمّل السعر الجديد، أسوةً بغيره من الأسعار.
الأمر لا يتعلّق بالسيد “عملاق المتّة”، فقد سبقه السيد “عملاق السكّر” بفرض تسعيرته الجديدة، و كذلك فعل “مارد الطون والسردين”، أمّا “جبّار الزيت” فهو ماضٍ دون اكتراث بسعر ليتر الزيت الذي يفرضه، رغم أن الزيت الذي يدخل من دول الجوار كافّةً يصل في بعض الأحيان لنصف سعره دون مبالغة، ممّا أدّى لوصوله مرتفعاً توازياً مع نشرة العمالقة الجبّارين، ومع تهديد ووعيد “دولة المؤسسات” لمن يمتهن بيع المواد الغذائيّة المُهربة في الشوارع.
ورغم أنّ جميع الأسعار الجديدة لا تتوافق بين ثمنها في الماضي بالموازاة مع سعر الصرف الحقيقيّ، وسعر الصرف الثابت في نشرات تمويل المركزيّ، والصاعد يوميّاً في السوق السوداء، والذي حتى لو وصل للذروة فهو بعيد كلّ البعد عن أسعار المواد المستوردة بالماضي.
إقرأ أيضاً .. مشوش أو فيلسوف ..
فأيّ “دولة مؤسسات” تتغنّون وتتبجّحون بها؟..
هذه باختصار “كانتونات وعصابات ومزارع للمافيا”..
ولم يعد الأمر خافياً على أحد، باستثناء أصحاب الرؤوس المربّعة، الطبّالين الزمّارين الذين يقتاتون على فُتات موائد العمالقة كاللواعق من البكتريا.
“دولة مؤسسات” لا تعرف من معنى المؤسسات سوى الهياكل، وحقيقة الأمر حفنة من اللصوص ضمن عصابةٍ واحدة، نصفها بلبوسٍ رسميّ يجلسون على كراسي المسؤوليّة، ونصفهم الآخر بلبوس التجّار وكبار المستوردين.
الأرباح والمكاسب والجوائز “فيفتي فيفتي”، ولديهم عدد لا بأس به من المرتزقة الذين يكمّمون الأفواه في حال الإشارة والنقد تحت حججٍ قانونيّة بحسب الطلب، وكذلك عدد لا بأس به من الراقصين على أحلام الناس عبر الهتاف والتصفيق والإشادة بهؤلاء العمالقة وشركائهم مع عدم نسيان الإشارات حول هذه المأساة بأن وراءها الاحتلالات المختلفة فقط لاغير.
ومنهم من يضع اللوم على الشعب بعدم المقاطعة، قاطعوا المادّة الفلانيّة فينزل سعرها مُرغماً، والشعب يقاطع مُرغماً على أرض الواقع، فقد أصبح السيد “فرّوج” حُلماً بعيد المنال عن المائدة، أمّا السيدة “لحمة” فهي أسطورة اغريقيّة يردّدها الآباء والأمهات لصغارهم في أثناء الحكايات، كذلك باقي المواد الغذائية، حتى اللباس، حتى القرطاسيّة، حتّى كلّ أساسيات الحياة، بل حتّى الماء.
لم يعد هناك أمل في الحلول باستثناء، إمّا أن يقاطع الشعب الحياة وينتهي الأمر، أو أن تقطع “دولة االمؤسسات” رؤوس العمالقة والجبّارين وشركاءهم وأذنابهم ولواعقهم ورميهم في مزابل التاريخ.
قال “دولة مؤسسات” قال ..
غسان أديب المعلم ..