خيانة على الهواء
المصري اليوم … لم تكن الخيانة واضحة مثلما هى الآن، ولم يكن العملاء يعلنون خيانتهم لبلادهم مثلما رأينا. كنا نتفاجأ بقضايا التجسس والعمالة، إذ هى ظاهرة للعيان. خيانة يمارسها أصحابها على الهواء مباشرة. خيانة بالصوت والصورة، بالقول والفعل، فالخَوَنَة يدعون علانية إلى التدخل الأجنبى، ويطالبون بطعن الجيش المصرى وتمزيقه تماما مثلما فعل آباؤهم. خيانة يباهى بها أصحابها كأنها الشرف.
الخيانة عمرها من عمر الجماعة. خذ مثلا سعيد رمضان، السكرتير الخاص لحسن البنا، هذا الرجل أسس التنظيم الدولى للجماعة، وفى مقابل ذلك عمل «جاسوسا» للإنجليز والأمريكان. الكلام طبعا ليس من عندى، ولكنه من الوثائق التى نشرت فى جنيف، حيث كان يقيم «رمضان»، بل أشارت هذه الوثائق إلى أن سعيد رمضان قدم لـ«البوليس» السويسرى خدمات كثيرة، مقابل إقامته وإدارته المركز الإسلامى بسويسرا. كان الرجل ضليعا فى التخابر، حتى إن أيزنهاور استقبله بنفسه فى البيت الأبيض. المقابل طبعا كان تدمير مصر، ووقف المد الناصرى القومى فى الخمسينيات والستينيات. هكذا كان أحد أقطاب الجماعة، وهكذا أيضا فعل أحد أبناء الجماعة، وهو عصام الحداد، الذى التقى الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى البيت الأبيض، فى ديسمبر من العام الماضى. «الحداد» ارتبط بعلاقات مع الأمريكان، قبل وبعد «25 يناير»، وكان يمسك بملف علاقات الجماعة مع الأمريكان والأوروبيين، ولهذا كانت مقابلته لأوباما أمرا هينا، بينما تريثت أمريكا فى دعوة «محمد مرسى».
عصام الحداد عمل مساعد رئيس الجمهورية للعلاقات الخارجية، وتلك وظيفة مستحدَثة تكشف عن عدم ثقة الإخوان فى مؤسسات الدولة، وفى المقدمة وزارة الخارجية، وتبين أن ما كانت تريده الجماعة ينبغى ألا تعرفه الدولة. الجماعة ترى نفسها فوق الدولة، وأن ما تدبره فى الخفاء لا ينكشف للعلن. التوقف.. «الحداد» دخل البيت الأبيض، كما دخل قصر الاتحادية، وفى الحالتين كان الأمر غامضا.. التقى الرئيس الأمريكى، بينما رئيس الدولة لم يستطع، وكذلك وزير الخارجية، بل لم يلتق أى وزير خارجية مصرى بأى رئيس أمريكى، منفردا، على مدى ٣٨ عاما مضت – وفقا لكلام نبيل فهمى، سفير مصر بالولايات المتحدة سابقا – ولهذا دلالات متعددة يرتبط بعضها بطبيعة المخططات «الإخو- أمريكية»، قبل الثورة، وأسرار صفقات ما بعد الثورة، وبعضها الآخر يرتبط بشخصية «الحداد» والدور الذى لعبه فى ملف الجماعة خارجيا، واختيار الجماعة له، ليكون مسؤولا عن الملف الخارجى بالجماعة والحزب، ثم الرئاسة. كان لافتا دخول «الحداد» إلى رئاسة الجمهورية، فى أول يوم للرئيس الجديد، رغم أنه لم يكن ذا صفة سوى أنه عضو فى مكتب الإرشاد، ولم تكن صفته الرسمية قد تحددت بعد، لكن الرجل كان مع مرسى كتفا بكتف. «الحداد» الذى كان يوصف – بصورة سطحية – بأنه ظل «الشاطر»، واحد من أخطر رجال مكتب الإرشاد، ويمسك بأهم الملفات وأكثرها حساسية، ملف كانت تراهن عليه الجماعة لكى تظل فى السلطة. رجل غزل خيوط العلاقة مع الأمريكان، وفقا للرغبات الأمريكية التى لم تَحِدْ عنها الجماعة – حتى لحظة خروجها من السلطة – قيد أنملة. ولهذا تعجبت من الذين اندهشوا من مطالبة «الحداد» أمريكا والغرب وإسرائيل بالتدخل، لحماية حكم الجماعة التى تفاجأت مع الأمريكان بالطوفان الشعبى، وانحياز الجيش للشرعية الشعبية. جاء «الحداد» مساعدا لرئيس الجمهورية، ترجمة عملية لصداقته بالأمريكان، وتلبية لرغبة إخوانية ترى الملف الخارجى أهم، مئات المرات، من ملفات الداخل، رغم تفجرها. فالجماعة التى تعهدت بضمان أمن إسرائيل عبر تلجيم حماس، وإنهاء حالة العداء التقليدى مع الصهاينة رهنت وجودها فى السلطة بالعلاقة مع الأمريكان، وكانت سباقة فى هذا الأمر. من هنا جاء سقوط الجماعة فى مصر بمثابة الفضيحة لسياسة البيت الأبيض، الذى دفع بسفيرته لتحيك كل صنوف المؤامرات من «البلتاجى» إلى «العريان»، ومن السلفيين إلى الجهاديين. فات السفيرة الأمريكية أن تعرف أن القرار المصرى أصبح فى يد الشعب، ولهذا لم يُعِرْ الفريق عبدالفتاح السيسى أى أهمية للأمريكان، وهذا هو الفرق بين شرف الجندى المصرى وخِسَّة تجار الدين.
المستشارة الدكتورة نهى الزينى، نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية، كانت من أهم من التفت إلى ملف العِمالة، وأعلنته بوضوح، حيث قالت إن القوى الخارجية الكبرى هى التى تحكم مصر، وإن الإخوان المسلمين مجرد أداة فى يدهم، مشيرة إلى أن نوح «سيلدمان»، أستاذ القانون بجامعة «هارفارد»، الذى ساهم فى وضع دستورَىْ دولتى أفغانستان والعراق، هو الذى ساهم فى وضع الدستور المصرى.
وأشارت «الزينى»، فى مقابلة لها على قناة «دريم»، إلى أن «سيلدمان» صهيونى، ويتحدث عن عودة الخلافة الإسلامية، ويرى أن الدول الكبرى تريد للتيار الإسلامى أن يحكم.
لا يجرؤ أحد، الآن أن يقول إن الثورة المصرية كانت «مدفوعة الأجر»، فالجيش المصرى العظيم لم يلتفت للخارج، حين لبى نداء الواجب، وانتبه لما يحاك لوطنه من مؤامرات يعلم الله وحده مدى فداحتها. الجماعة توكلت على الأمريكان، فى حين توكل الشعب على الله، فانتصر.
علي السيد .. صحفي مصري