حين لا نضحك .. أحمد علي هلال

كما كل الحروب ستترك الحرب على غزة، آثارها على حيوات البشر، والأدل حينما نذهب إلى مراياها الصادقة، أي مرايا حرب ضروس لا تستثني الشجر أو الحجر أو الروح، ثمة عشرات القصص التي روتها الكاميرات كما ترويها الذاكرة اليومية، المحكومة بزخمها الدرامي/ الإنساني، قصص لا تجري في عالم بعيد ولا فضاء لمتخيلها، ولا رادَّ لحبكتها وإيقاع مفارقاتها.. وكما تقول الوقائع بأقلام الموثقين عن حكاية عبد الرحمن ذلك –الفتى- الذي لا يستطيع أن يضحك ببساطة شديدة لأنه يشعر بوجع في وجهه…
حين لا نضحك
طفل في الصف الرابع يروي قصته: حينما قصفت الطائرات حارته وقتها كان يلعب مع صاحبه محمد، محمد مات وهو أصيب بحروق أكلت نصف وجهه، لكن ذلك لم يمنعه من أن يرسم على جدران حارته في غزة الكثير من اللوحات ليتدفق هدير الدبابات وصياح الأطفال المتألم من لوحاته، لكن الضحك مازال يؤلم وجه عبد الرحمن، وسوف يتضامن معه رفاق صفه، أي سيتوقفون عن الضحك مؤقتاً حتى تلتئم جروح وجهه، إذن عليهم أن يتوقفوا عن قول النكات، وكان على مدرسه بالذات أن يتوقف عن قراءة القصص المضحكة، عبد الرحمن يحب الضحك كثيراً، لكن أستاذ عبد الرحمن لا يستطيع الضحك أيضاً فقد قال له الطبيب إنك مصاب بمرض التماهي العضوي مع آلام الآخرين…
حين لا نضحك
قصة عبد الرحمن تلخص حقائق الحرب على غزة، بل حقائق فلسطين كلها وما يجري على أرضها، واقع يوازي المخيلة بل يتجاوزها حتى ليصبح –هذا الواقع- مخيلة تفيض وتلهم الكتاب والمبدعين والسينمائيين، لأن عبد الرحمن هو رمز أكثر منه شخص، رمز لقضية يصر الاحتلال على حرق وجهها، لكنها وإن فقدت القدرة على الضحك، تستمر في الحياة، فليس الأمر هنا محض ضراوة في التخييل الذي يحايث الواقع، واقع الحرب وحكاياتها الكثيفة، بقدر ما نذهب إلى درامية الحكاية ذاتها، وكيف تتواتر إيقاعاً ومآثر بطلتها الصورة، فهل تستطيع الصورة أن تلتقط تعبير الروح لوجه محترق، «بيروت تفاحة والقلب لا يضحك/ حصارنا واحة في عالم يهلك» محمود درويش.
*كاتب وناقد فلسطيني- سوريا
.
- -لمتابعتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews