حرب تشرين ودور الاتحاد السوفييتي فيها
د . اليان مسعد..
|| Midline-news || – الوسط ..
الدور الذي لعبه الشعب الروسي وقيادته بمرحلة الاتحاد السوفييتي السابق في دعم الجيش السوري لتحرير الجولان السوري المحتل في حرب عام 1973 لقد استندت بالمعلومات العسكرية في مقالتي هذه على دراسة عسكرية مهمة صدرت بمناسبة الذكرى (43) لحرب تشرين التحريرية على الجبهة السورية أعدها العميد الركن الدكتور رزق الياس الذي شارك في هذه الحرب كضابط أركان في إدارة الاستطلاع عن هذه الحرب .
تطرق الدكتور الياس في دراسته إلى دور الاتحاد السوفييتي في التحضير والتخطيط والتنفيذ ، وقد نشرت هذه الدراسة على الموقع السوري الإلكتروني ” الرأي السوري ” ( soc.sy ) وانا مدين له بتلك المعلومات العسكرية القيمة اضافة لمعلوماتي وتحليلاتي السياسية عن تلك المرحلة :
أولاً خلال فترة التحضير لحرب تشرين التحريرية على الجبهة السورية :
- سياسيا وقفت إسرائيل ضد كل المبادرات السلمية التي عرضها الاتحاد السوفييتي لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم /242/ القاضي بانسحاب إسرائيل من كامل الأراضي التي احتلتها ( سيناء والجولان والضفة الغربية وغزة ) في عدوانها على الدول العربية (مصر وسورية والأردن) في الخامس من حزيران عام 1967، كما لجأت بعد احتلالها هذه الأراضي إلى إنشاء المستوطنات فيها بغية ضمها إلى إسرائيل مخالفة بذلك كافة القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، لذا لم يكن أمام الاتحاد السوفييتي من خيار سوى الوقوف إلى جانب هذه الدول التي احتلت أراضيها بغية تحريرها بالقوة المسلحة بهدف “إزالة آثار العدوان”. وبناء على ذلك اتخذت القيادة السوفييتية قراراً بتقديم الدعم السياسي والعسكري لهذه الدول وفي مقدمتها سوريا ومصر.
- الرئيس حافظ الأسد اتخذ قراراً بحشد جهود كافة طاقات الدولة السورية للتحضير للحرب وخوضها خلال خمس سنوات منذ عام 1967وحتى عام 1973 وتضمن هذه القرار إعادة بناء السياسة الداخلية بإنشاء الجبهة الوطنية التقدمية، ومجلس الشعب ، وإعداد خطط التنمية على ضوء ضرورات الحرب وإعطاء المنظمات الشعبية دوراً فعالاً في قيادة الدولة والمجتمع، أما في السياسة الخارجية، لا سيما بعد قيامه بالحركة التصحيحية عام 1970، فقد قرر تطوير العلاقات مع المعسكر الاشتراكي وفي طليعته روسيا باعتباره المعسكر الذي كان يقف إلى جانب قضايا العرب العادلة. وفي المجال العسكري قرر إعادة بناء القوات المسلحة السورية وفق متطلبات الهجوم في التنظيم والتسليح والعتاد والتدريب وتأمين المؤخرة اللوجستية والإعداد الهندسي لمسرح العمليات، وكذلك إعداد أجهزة الدولة للحرب. وطلب الاستعانة بالقيادة السوفييتية لإنجاز هذه الخطة خلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الخمس سنوات .
- وافقت القيادة الروسية على طلب الرئيس الاسد ، وتمثل ذلك بإرسال الخبراء الروس إلى سوريا بواقع خبير واحد لكل كتيبة، وخبير واحد أو أكثر لكل لواء وفرقة وإدارة وهيئة، ونما حجم الجيش السوري في هذه الفترة إلى أربعة أضعاف في الدبابات ليصل إلى حوالي ألفي دبابة وإلى خمسة أضعاف في عتاد المدفعية ليصل إلى 1800مدفع وهاون وإلى ثلاثة أضعاف ونصف في الناقلات المدرعة ليصل إلى 1411ناقلة، وإلى 3892مدفع ورشاش مضاد للطيران ، وإلى أكثر من ألف مدفع وقاعدة صواريخ مضادة للدبابات، وإلى 600 قاعدة صواريخ متنوعة ضد الطيران حيث لم يكن بحيازة الجيش السوري شيء منها ، وإلى أكثر من 260 طائرة مقاتلة وحوامة. ( كتاب مسيرة تحرير الجولان ص108).
ما هو جدير بالذكر أن الأسلحة الروسية التي تسلح بها الجيش السوري لخوض هذه الحرب كانت من النوعية المتقدمة وبخاصة أسلحة القوات البرية التي كانت متفوقة على مثيلاتها الموجودة لدى القوات الإسرائيلية، ونخص بالذكر منها الدبابات الحديثة ت 62، والعربة “ب ر دم” الحاملة للصواريخ المضادة للدبابات، والناقلات ” شيلكا” المسلحة بالمدفع عيار 23ملم الرباعي المضاد للطيران، والناقلة المدرعة ” ب م ب1″ المزودة بالمدفع عيار 73ملم، والقاذف الصاروخي المضاد للدبابات ب –7، ومدفع الهاون عيار 240ملم، وصواريخ “لونا” أرض – أرض التي يمكنها توجيه الضرات إلى الأهداف الحيوية في العمق العملياتي ( حتى 75كم). وفي مجال القوى الجوية سلح الجيش السوري بالقاذفة المقاتلة ” سوخوي 20″ وبصواريخ أرض – جو مختلفة الأنواع والتي كانت ذات فعالية متميزة في أرض المعركة .
كما سلحت القوى البحرية السورية بزوارق الصواريخ الرباعية من النوع الحديث ( كتاب مسيرة تحرير الجولان ص 109-110). وفيما يتعلق بالمساعدة في مجال التأهيل والتدريب أوفدت أعداد كبيرة من البعثات الفنية إلى الاتحاد السوفييتي للتدريب على الأسلحة والأعتدة الجديدة كما تم تدريب عدة ألوية في الدفاع الجوي، وساهم الخبراء الروس في تأهيل مئات الكوادر من الضباط في المنشآت التعليمية الروسية والسورية ، كل ذلك جرى والجيش السوري يخوض حرب الاستنزاف مع القوات الإسرائيلية التي تحتل الجولان السوري .
ثانياً خلال فترة التخطيط لحرب تشرين عام 1973:
- في أواخر شهر شباط / فبراير عام 1973 أعلم الرئيس حافظ الأسد القيادة الروسية بأن هيئة الأركان السورية وهيئة الأركان المصرية يخططان معاً لتحرير أراضيهما المحتلة في الجولان وسيناء وطلب من القيادة الروسية تيسير الطلبات المصرية العالقة بشأن الأسلحة، فتجاوبت القيادة الروسية فوراً مع ذلك بدون أية شروط، وظلت القيادتان السورية والمصرية يجريان عملية التخطيط والتنسيق دون مشاركة القيادة الروسية حتى نشوب هذه الحرب في السادس من تشرين الأول / أكتوبر 1973.
ثالثاً في فترة خوض الحرب :
- من المعلوم أن القيادة الروسية قامت بإجلاء رعاياها المدنيين من سوريا ومصر اعتباراً من يوم الخميس 4/10/1973 أي قبل نشوب الحرب بيومين، وعند نشوب الحرب طلبت القيادة السورية من القيادة الروسية انسحاب الخبراء الروس الموجودون مع التشكيلات العسكرية في الحرب إلى منازلهم ، خوفاً على سلامتهم، فأجابت القيادة الروسية بأن الخبراء أنفسهم يرفضون ذلك، وهذا الأمر متروك للخبراء أنفسهم، وقد ظل الخبراء الروس مع التشكيلات السورية وكانوا مثالاً لقيم الإخلاص والشجاعة والوفاء .وفي اليوم الثاني لنشوب الحرب وقبل انعقاد جلسة مجلس الأمن في التاسع من تشرين عرض سفيرا روسيا في كل من دمشق والقاهرة على القيادتين السورية والمصرية فكرة وقف إطلاق النار المشروط بانسحاب القوات الإسرائيلية إلى حدود الرابع من حزيران سنة 1967، فلم يلق هذا الاقتراح موافقتهما ، فيما عرضت الإدارة الأمريكية هذه الفكرة على إسرائيل فطلبت إسرائيل عودة القوات السورية والمصرية إلى مواقعهما قبل الهجوم كشرط لوقف إطلاق النار. وقد أدى هذا التعارض الحاد في موقف الطرفين إلى انفضاض جلسة مجلس الأمن في 9/10 من دون التوصل إلى قرار، واستمرت الحرب على الجبهتين في ظروف مواصلة كل من الدولتين العظميين إمداد الطرف الذي تؤيده بالأسلحة والذخيرة والعتاد.
بدأ الجسر البحري والجوي الروسي اعتباراً من 10 /10 بتوريد السلاح إلى سورية ومصر واستمر حتى نهاية الحرب. وقد استعاضة سورية بموجبه 1047 دبابة من الأنواع ( ت54– ت55– ت62) مع 350 ناقلة مدرعة و300 مجموعة صواريخ كوبرا م/ط ، و 212 قاذفة صواريخ مالوتكا من دون عربة، و 30 مدفعاً مضاداً للدبابات عيار 106 ملم، و 160 مدفع هاون، وحوالي 150 طائرة مقاتلة. وقد قامت الطائرات الروسية “أنتونوف ” بـ 900رحلة جوية نقلت فيها 15 ألف طن من الأسلحة والعتاد، قاطعة مسافة ألفي ميل في كل رحلة عبر الأجواء اليوغسلافية والتركية. ويمكن القول أنه قبل نهاية الحرب عوضت روسيا كافة الأسلحة التي خسرتها سورية في القتال، وقد جاء هذا الإمداد في الوقت المناسب خلال الحرب الأمر الذي جعل القيادة الإسرائيلية تفشل في تحقيق هدفها بالضغط على القيادة السورية لإجبارها على وقف إطلاق النار من خلال العملية الهجومية التي قامت بها باتجاه القنيطرة – سعسع للوصول إلى دمشق والتي ساندتها بالقصف الاستراتيجي الجوي للأهداف العسكرية والاقتصادية الهامة في سوريا.
وفي 19/10 طلبت القيادة المصرية من القيادة الروسية التدخل لوقف إطلاق النار على خلفية عبور القوات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية للقناة من ثغرة الدفر سوار وتطوير هجومها في العمق إلى حوالي 20كم ، وفي21/10 أرسل الرئيس السادات إلى الرئيس حافظ الأسد رسالة يعلمه فيها بأنه عرض على القيادة الروسية طلبه بوقف إطلاق النار طالباً من الرئيس الأسد تأييد ذلك، ولكن الرئيس الأسد أجابه بضرورة الصمود على الرغم من الخرق الإسرائيلي في الجبهتين وطلب منه المناورة بالقوات ولكن السادات أصر على طلبه ( كتاب مسيرة تحرير الجولان ص 162-164)، وتوصلت القيادة الروسية مع الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار على الجبهتين السورية والمصرية حيث اتخذ مجلس الأمن هذا القرار برقم /338/ تاريخ 22/10 /1973القاضي بدعوة الأطراف المشتركة بالقتال إلى وقف إطلاق النار وإلى البدء فوراً بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم /242/ لعام 1967بجميع أجزائه، وأن تبدأ المفاوضات بين الأطراف تحت الإشراف الملائم بهدف إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.
وقد مر على هذا القرار حتى الآن /43/ سنة وما زالت إسرائيل تحتل الجولان السوري والضفة الغربية وتبني فيها المستوطنات.
وتأمل إسرائيل أن تكون نتيجة الحرب الداخلية التي تخوضها سورية الآن ومنذ أكثر من خمس سنوات هي تقسيم سوريا إلى دويلات كي يتم إخراجها كلياً من الحرب كما حدث مع كل من مصر والأردن والعراق، الأمر الذي يسمح لإسرائيل بضم الأراضي التي احتلتها عام 1967.
كل الشكرللشعب الروسي العظيم على وقوفه دوما معنا وبمناسبة مرور سنة على الدعم الروسي لسوريا ضد الارهاب نقف باحترام لشهداء الجيشين الروسي والسوري
*رئيس وفد معارضة الداخل الى مفاوضات جنيف (مسار حميميم)