العناوين الرئيسيةدراسات وأبحاث

ملامح حرب باردة تتشكل .. ستقود بالفعل إلى نظام عالمي جديد ..

التجمعات السياسية غير الغربية أصبحت أكثر جاذبية لدول الجنوب ..

 

رغم ما هي عليه من ضعف في الخارج وانقسام في الداخل تواصل الامبراطورية الامريكية سياستها العالمية التي انتهجتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، سياسة الاحتواء والهيمنة وتركيع القوى المناهضة لها
ورغم ان الولايات المتحدة الأمريكية، بأيديولوجيتها الليبرالية ومذهبها الرأسمالي، هي آخر الإمبراطوريات الأيديولوجية الكبرى، تصر باطماعها على بلوغ المستحيل؛ عبراحتواء دولتين عظميين في وقت واحد هما روسيا والصين.

في هذا السياق يتحدث ماركو كارنيلوس، الدبلوماسي الإيطالي السابق، الذي خدم في فريق السياسة الخارجية لثلاثة رؤساء وزراء إيطاليين، وكان مبعوث بلاده السابق للسلام في الشرق الأوسط يتحدث في مقال نشره موقع “عين الشرق الاوسط ” البريطاني، عن ملامح حرب باردة جديدة آخذة في التشكل بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة، والقوى الأوراسية بزعامة الصين من جهة أخرى، مستندا بذلك الى النزاع القائم حاليا والذي سيؤسس برأيه لنظام عالمي جديد.

بحسب كارنيلوس فإن الحرب في أوكرانيا والتوترات المتزايدة بشأن تايوان تمثل الأركان الأساسية للطموحات الأمريكية المتجددة، ولذلك تداعيات جسيمة، مثل: أزمات الطاقة ونقص الغذاء العالمية الناجمة عن العقوبات المفروضة على روسيا، واضطراب سلاسل التوريد، والتوترات التجارية، واحتدام السباق التكنولوجي، وأسوأ ما في الأمر أن هذه المشكلات كلها محفوفة بأزمة ركود وتضخم ارتسمت ملامحها الكئيبة في الأفق.

موسكو وبكين متهمتان من قبل واشنطن بانتهاك مبادئ النظام العالمي القائم على القواعد، ومع ذلك فإن الشواهد التي تقدم دليلاً على كونهما السبب في تفاقم الأمور ليست مقنعة.

كيسنجر : لا رؤية لنا لما يفترض أن تؤول إليه الأمور ..

يقول وزير الخارجية الأمريكي السابق، هنري كيسنجر: نحن “الولايات المتحدة”على شفير حربٍ مع روسيا والصين بشأن أمور كان لنا نصيب بأسباب نشأتها، وقد فعلنا ذلك من غير تصور لعاقبة ذلك، ولا رؤية لما يفترض أن تؤول إليه الأمور”.

إلى من سيؤول تشكيل النظام العالمي الجديد اذا ، نعود الى كارنيلوس الذي يرى أن هذه المواجهة قد تؤدي إلى إعادة ترتيب النظام العالمي، لكن التصور الواقعي يرجِّح تشكيل نظام عالمي ثلاثي الأقطاب:

القطب الأول: هو “الكتلة الديمقراطية” الغربية بقيادة الولايات المتحدة، والذي يجسده التحالف بين مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى (G7) وحلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي.

والقطب الثاني: هو الكتلة الأوراسية بقيادة الصين وروسيا، ويضم إيران وبعض جمهوريات آسيا الوسطى.

أما القطب الثالث: فيتألف من الدول التي لا تريد الانضمام إلى أيٍّ من الحلفين، أي بقية دول العالم، التي يطلق عليها الآن جنوب الكرة الأرضية. وغالبا ستقف هذه الدول على الحياد بينما تتنازع القوى السابقة في الحرب الباردة الثانية.

دول الجنوب العالمي لم تصطف ضد روسيا ..

تعمل دول الجنوب العالمي على تحرير نفسها بعد عقود من الوصاية السياسية والاقتصادية والمالية الغربية، لكن هذا لا يعني الاصطفاف طوعاً إلى جانب الكتلة الأوراسية، بل السعي إلى نظام أكثر مرونة. وقد شهدت حرب أوكرانيا بأن كثيرين لم يُقبلوا على تلبية نداء الغرب للعالم من أجل الاصطفاف ضد روسيا، والغالب أن يقل عن ذلك عدد الملبِّين لنداء المواجهة القادمة ضد الصين.

يبذل الثالوث الغربي غاية وسعه ليأسر قلوب الناس وعقولهم في الجنوب العالمي، لكن خلل المعايير المتغلغل في الغرب تجاه خصومه والانحراف المطرد للنظام العالمي عن قواعده أسخطُ الناس بكثير من الفظائع .

ويبدو حتى الآن أن التجمعات السياسية غير الغربية، مثل “منظمة بريكس” (التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) و”منظمة شنغهاي للتعاون” أكثر جاذبية لدول الجنوب. فالدول الديمقراطية الغربية لا تستميل إليها سوى الدول المشابهة لها في تفكيرها والمنضوية تحت لوائها، كما يتضح من انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو.

أما القوى البارزة في أقاليمها -مثل تركيا والجزائر ومصر والسعودية والأرجنتين والمكسيك- فتبحث لنفسها عن وجهة أخرى.
يقول دبلوماسي بريطاني كبير: “أن تكون صديقاً للولايات المتحدة أصعب بكثير من أن تكون عدواً لها”. ومن ثم، فإننا قد نكون على موعد مع ظهور كتلتين متنافستين في الاقتصاد والتجارة، وربما لن تنحصر مقرات النظام العالمي في نيويورك ولندن ولن تقتصر عملته على الدولار الأمريكي بعد الآن.

الصين وروسيا وبناء الاستقلالية القطبية ..

تعمل الصين وروسيا على إيجاد بدائل للدولار الأمريكي، ولنظام سويفت للدفع العالمي، ولبورصتي نيويورك ولندن. وقد انسحبت شركات صينية مملوكة للدولة من البورصات الأمريكية، كما تسعى الصين إلى تخفيض استثماراتها في سندات الخزانة الأمريكية. ولا تزال كل هذه التحركات في طور النشأة، لكنها قد تصبح غداً جذابة لكثير من دول الجنوب العالمي، خاصة إذا كان أصرَّ الغرب على مسلكه في استخدام الدولار سلاحاً يستله على خصومه، وتمسك بتمييز مصالحه المالية وعدم الاكتراث بمصالح غيره.

إذا استمرت الحال كذلك فإن مزيداً من الدول قد تبدأ في البحث عن أماكن أخرى أكثر أماناً لرصيدها الاحتياطي من الذهب والعملات الصعبة، خاصة بعد استيلاء الولايات المتحدة وبريطانيا على الأرصدة الوطنية الأفغانية والفنزويلية، فضلاً عن استيلاء الدول الغربية غير المسبوق على 300 مليار دولار من الاحتياطي الروسي.

واقع الأمر أن الإمعان في فصل اقتصاد روسيا عن الغرب، والانفصال المحتمل للاقتصاد الصيني، قد يغير ملامح النظام العالمي تغييراً جذرياً. فكيف يستوعب الشرق الأوسط هذه التحولات الكبرى؟.

ماذا عن الشرق الأوسط؟..

أصبح “السلام الأمريكي الموعود في الشرق الأوسط أبعد ما يكون عن التحقق بعد كل هذا التحايل وانحراف المعايير الذي انطوى عليه سبيل الوصول إلى ما يُعرف باتفاقات أبراهام، فالصفقات التي أسَّست لها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وأقرَّتها إدارة الرئيس الحالي جو بايدن، مهمة من الناحية الاقتصادية، لا سيما لإسرائيل، لكنها تستند إلى افتراضين مطعون فيهما تاريخياً: أولاً، أن القضية الفلسطينية يمكن تنحيتها جانباً إلى أجل غير مسمى دون عواقب. وثانياً، أن رأي الشعوب في العالم العربي لا أهمية له.

ويقول كارنيلوس، سيتعين قريباً على القوى الإقليمية الكبرى أن تحسم أمرها، هل ستترك المنطقة مرة أخرى ساحةً لمعارك القوى العظمى كما كانت خلال القرن العشرين؟ وهل ثمة نموذج سياسي مطروح يمكن أن يُبنى عليه الاستقرار الإقليمي: هل هي اتفاقات أبراهام التي قامت بوساطة من الولايات المتحدة؟ أم نموذج التفاهم غير الرسمي على معاداة الغرب، على غرار ما يُعرف بمحور الممانعة (الذي يجمع إيران والعراق وسورية وحزب الله)، أم هو نموذج المنظمات والائتلافات غير الغربية، مثل منظمة “بريكس بلس” و”منظمة شنغهاي للتعاون”، أم غير ذلك؟.

حتى السعودية تفكر في اعتماد اليوان بديلا للدولار ..

هل يميل إطار العمل الاقتصادي في المنطقة بثقله نحو مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تبلغ قيمتها تريليون دولار، أم يتجه إلى الشراكة الجديدة لمجموعة الدول السبع في مجال البنية التحتية والاستثمار العالمي، والتي تبلغ مخصصاتها 600 مليار دولار؟ هل يستمر الاعتماد على البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اللذين تسيطر عليهما الولايات المتحدة، أم تعثر دول المنطقة على بديل لها في “البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية” الذي أنشأته الصين؟.

البيانات المتاحة في هذا السياق هي أن شركاء الولايات المتحدة التقليديين في الشرق الأوسط، مثل مصر والسعودية، يفكرون في الانضمام إلى منظمة “بريكس”. وقد أعلنت الرياض أنها تفكر في اعتماد اليوان عملة بديلة للدولار في مبيعات النفط إلى الصين، ومن المقرر أن يزور الرئيس الصيني شي جين بينغ السعودية قريباً.

يقول كارنيلوس، على الرغم من التغيرات التي طرأت على الساحة العالمية، فإنه لمن سوء الحال أن مخطط الولايات المتحدة للشرق الأوسط لم يتغير، ولم تكن رحلة بايدن الأخيرة إلى إسرائيل وفلسطين المحتلة والسعودية مختلفة عن غيرها. فقد أقرت الزيارة من جديد ضمانات الشراكة طويلة الأمد بين الولايات المتحدة وإسرائيل في مواجهة إيران، أما الفلسطينيون فلم يتلقوا سوى علقم الكلام بخصوص تطلعاتهم المشروعة إلى الحق في تقرير المصير.

أما المحصلة الأهم لزيارة بايدن فكانت الواقع الذي كشفت عنه رحلة الرئيس الأمريكي إلى السعودية بعد المزاعم السابقة بنبذِها، وما أبرزته من صعوبات كامنة في مزاعم السياسة الخارجية، التي تدعي الاستناد حصرياً إلى المبادئ والقيم الأخلاقية.

الخلاصة أنه على الرغم من محاولات الغرب هيكلة النظام الدولي على أساس المنطق الصارم: “نحن مقابل هم” أو “إما معنا وإما علينا”، فإن الواقع الناشئ أكثر تركيباً بكثير من ذلك. وجدير بدول الشرق الأوسط، ومنها حلفاء الولايات المتحدة التقليديون، أن تستحسن الاحتمال القائم بنشأة نظام عالمي جديد، فهذا النظام قد ينطوي على كثير من الخيارات غير المسبوقة لهم.

 

غرفة الأخبار 

 

صفحتنا على فيس بوك 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني إبراهيم رئيسي يشهدان عبر رابط الفيديو توقيع اتفاق إنشاء خط للسكك الحديدية رشت - آستارا باريس: الحكم بالسجن 3 سنوات على ساركوزي بقضية فساد وكالة مساعدات تابعة للأمم المتحدة: خطة الاستجابة الإنسانية للصراع في السودان تتطلب 2.56 مليار دولار الولايات المتحدة تعلن تضرر نظام "باتريوت" في هجوم صاروخي على أوكرانيا قاضية فرنسية تصدر مذكرة توقيف دولية بحق حاكم مصرف لبنان وفاة المخرج السوري هشام شربتجي عن عمر يناهز 75 عاماً بدء أعمال اجتماع المندوبين وكبار مسؤولي وزارات الخارجية العربية في جدة تايلاند: زعيم المعارضة يعلن فوزه في الانتخابات التشريعية تركيا تستعد لجولة انتخابات رئاسية ثانية للمرة الأولى في تاريخها دعوة عمران خان للتظاهر "انتزاعاً للحرية" تلقى تجاوباً محدوداً بعد أسبوع من الاضطرابات في باكستان برشلونة بطلاً للدوري الإسباني لكرة القدم للمرة الـ 27 في تاريخه بعد فوزه على إسبانيول بنتيجة 4-2 إغلاق صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا وزير الداخلية التركي: 601 ألف فرد أمن يشاركون في تأمين الانتخابات بمشاركة وفد سورية.. انطلاق أعمال اجتماع كبار المسؤولين للمجلس الاقتصادي والاجتماعي التحضيري لأعمال القمة العربية المقرر عقدها بالسعودية في الـ 19 من أيار الجاري تركيا: صناديق الاقتراع تفتح أبوابها في الانتخابات الرئاسية والتشريعية في البلاد الانتخابات الرئاسية.. تركيا تدخل مرحلة الصمت الانتخابي مدرّب برشلونة الإسباني تشافي يرى أن برشلونة سيبدأ حقبة جديدة بعد رحيل قائد الفريق سيرجيو بوسكيتس نهاية الموسم الحالي إثر انتهاء عقده بورما وبنغلادش في سباق مع الوقت للفرار من الإعصار موكا أردوغان يصلي في آياصوفيا عشية الانتخابات الرئاسية دوري أبطال إفريقيا لكرة القدم.. الأهلي المصري على أبواب النهائي بثلاثية ضد الترجي التونسي الـرئيس التونسي ينفي معاداة الدولة للسامية بعد هجوم جربة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحذر أنصاره من دفع ثمن باهظ في حال صعود منافسه العلماني إلى السلطة في الانتخابات المقررة نهاية الأسبوع الروسي أرمان أداميان يفوز بذهبية بطولة العالم للجودو في الدوحة رئيس الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود (فرونتكس) هانز ليتينز: عمليات عبور المهاجرين للمتوسط تبلغ مستويات قياسية الرئيس التركي يعرب عن حزنه لانسحاب إنجه ويلمح إلى مسؤولية كليجدار أوغلو توقيع اتفاق أولي بين الجيش السوداني والدعم السريع في جدة المدعي الفرنسي يتهم ساركوزي بالفساد والحصول على تمويل ليبي في الانتخابات الرئاسية ويطالب بمحاكمته محرم إنجه أحد المنافسين الأربعة للرئيس التركي في الانتخابات الرئاسية يعلن انسحابه من السباق استئناف تصدير النفط العراقي عبر منفذ “جيهان” التركي وسائل إعلام: اعتداء إسرائيلي على قطاع غزة المحاصر