جورجيا ميلوني..من بائعة خضار إلى رئاسة حكومة إيطاليا
إيطاليا اختارتنا وسأقود الحكومة المقبلة
جورجيا ميلوني..من بائعة خضار في سوق شعبية، ومربية للأطفال، وساقية في حانة إلى أصغر وزيرة إلى رئاسة حكومة إيطاليا، ومن ثم تحقيق إنجاز استعصى لعقود على اليمين المتطرف.
جورجيا ميلوني “45 عاما”، زعيمة حزب “إخوة إيطاليا” تدخل التاريخ من أوسع أبوابه، كونها ستصبح أول امرأة ترأس حكومة إيطاليا عبر التاريخ، كما ستصبح أول رئيسة يمينية متطرفة، لرابع أكبر اقتصاد في أوروبا.
و أعلنت جورجيا ميلوني أنها ستقود الحكومة المقبلة بعد أن حل حزبها “فراتيلي ديتاليا”، الذي ينتمي إلى الفاشيين الجدد، أولا في الانتخابات التشريعية في إيطاليا.
وفي خطاب مقتضب في روما قالت ميلوني التي تعود جذور حزبها إلى الفاشية الجديدة إن “الإيطاليين بعثوا رسالة واضحة لدعم حكومة يمينية بقيادة فراتيلي ديتاليا”، واعدة بأن الحكومة الجديدة ستحكم لجميع الإيطاليين.
وقالت ميلوني للصحفيين “إذا تم استدعاؤنا لحكم هذا الشعب فسوف نفعل ذلك من أجل جميع الإيطاليين بهدف توحيد الشعب وتمجيد ما يوحده وليس ما يفرقه، لن نخون ثقتكم”.
وفاز حزب “فراتيلي ديتاليا” بقيادة جورجيا ميلوني بالانتخابات التشريعية في إيطاليا، في حدث غير مسبوق منذ العام 1945، وفقًا لاستطلاعات للرأي أجريت لدى الخروج من مراكز الاقتراع.
واعترف الحزب الديمقراطي الذي يمثل يسار الوسط بإيطاليا في ساعة مبكرة من صباح الإثنين بهزيمته في الانتخابات العامة وقال إنه سيكون أكبر قوة معارضة في البرلمان المقبل.
وقالت ديبورا سيراتشياني، البرلمانية البارزة في الحزب الديمقراطي، للصحفيين في أول تعليق رسمي للحزب على النتيجة هذه أمسية حزينة للبلاد، و”اليمين” له الأغلبية في البرلمان لكن ليس في البلاد.
وحصل حزب “فراتيلي ديتاليا” بقيادة ميلوني على ما يتراوح بين 22 و26% من الأصوات، في حين يُتوقع أن يحصل حليفاه، الرابطة اليمينية المتطرفة وحزب فورزا إيطاليا على أغلبية واضحة في مجلسي البرلمان.
جورجيا ميلوني.. من بائعة خضار إلى رئاسة حكومة إيطاليا..فمن هي:
ولدت جورجيا ميلوني في 15 يناير/ كانون الثاني 1977، في حي غارباتيلا الذي تقطنه الطبقة العاملة في روما. وعاشت طفولة صعبة، بعدما تخلّى عنها والدها اليساري الذي سافر إلى جزر الكناري، لتترعرع على يد والدتها اليمينية، وجدتها لوالدتها.
عانت في صغرها من التنمّر بسبب السمنة. وعملت في طفولتها بائعة للخضار في سوق شعبية في الحي، ثم مربية أطفال، فنادلة في حانة. وميلوني هي أم غير متزوجة، وتتميّز بلكنة رومانية قوية.
وكانت عبارتها “أنا جورجيا، أنا امرأة، وأم ومسيحية” إحدى أكثر كلماتها شعبية، حيث انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، وتم تحويلها إلى أغنية راب.
نشأتها السياسية
وعندما بلغت من العمر 15 عاما، انضمت إلى جبهة الشباب، وهو جناح اليافعين في الحركة الاجتماعية الإيطالية الفاشية الجديدة، وأصبحت فيما بعد رئيسة الفرع الطلابي لخليفة الحركة.
عام 1995 أصبحت عضوة في “حزب التحالف الوطني” وهو الحزب ذو التوجه الفاشي، وفي عام 2006، وعن 29 عاما، أصبحت ميلوني أصغر نائب رئيس لمجلس النواب الإيطالي على الإطلاق، بعد ذلك بعامين عيّنت وزيرة للشباب في حكومة سيلفيو برليسكوني.
في الـ32 من عمرها، اندمج حزب برلسكوني مع مجموعة يمين الوسط “فورزا إيطاليا” وتم إنشاء مجموعة جديدة باسم “شعب الحرية”، أصبحت ميلوني رئيسة قسم الشباب فيها.
عام 2012، وبعد انتقادها لبرلسكوني والمطالبة بالتجديد داخل الحزب، انسحبت وأسست حركة سياسية جديدة سميت “إخوة إيطاليا”.
وعلى مدى السنوات اللاحقة تبنت مواقف متشددة للغاية من الشذوذ الجنسي والزواج من نفس الجنس والهجرة، ورفعت شعار “الله، الوطن، العائلة” الماثل في أذهان كثيرين ممن عايشوا الحرب العالمية الثانية وتبعاتها.
في الانتخابات العامة السابقة التي جرت في 2018، حصل “إخوّة إيطاليا” على 4% فقط من الأصوات، وشاركوا في ائتلاف محافظ مع حزب ماتيو سالفيني، الذي كان يملك قاعدة شعبية أكبر، و”فورزا إيطاليا” الأكثر اعتدالا بزعامة سيلفيو برلسكوني.
توجّهاتها السياسية
خلال تزعمها حزب “أخوة إيطاليا”، حوّلت حزبها إلى قوة سياسية شعبوية قادرة على جذب الناخبين اليمينيين والمعتدلين.
تصف ميلوني نفسها وحزبها بـ”المحافظين”. وقالت لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية: “ليس هناك شك في أن قيمنا هي قيم محافظة. قضية الحرية الفردية، والمشاريع الخاصة في الاقتصاد، والحرية التعليمية، ومركزية الأسرة ودورها في مجتمعنا، وحماية الحدود من الهجرة غير المقيدة، والدفاع عن الهوية الوطنية الإيطالية، هذه هي الأمور التي نهتم بها”.
لكنها في الوقت نفسه، تقف ضد “الفكر اليساري”. وأوضحت أنه “لا مكان للأشخاص الذين يحنون إلى الفاشية والعنصرية ومعاداة السامية” في صفوف حزبها.
وتحت شعار “الله الوطن العائلة”، تشمل أولوياتها إغلاق الحدود الإيطالية لحماية البلاد من “الأسلمة”، وإعادة التفاوض بشأن المعاهدات الأوروبية، ومحاربة “مجموعة الضغط لمجتمع الميم”.
وعارضت ميلوني عمليات الإجهاض والقوانين التي تعترف بزواج المثليين. وخلال تجمع حاشد عام 2019 ، تحدّثت ضد الأبوة والأمومة من الجنس نفسه، وانتشر خطابها على منصات وسائل التواصل الاجتماعي. كما عارضت قانون مكافحة “رهاب المثلية”، مؤكدة أنه لا يوجد “رهاب المثلية” في إيطاليا.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، حذّرت من مخاطر الهجرة والمثلية الجنسية، قائلة: “نعم للعائلة الطبيعية، نعم للهوية الجنسية، لا للأيديولوجية الجندرية، نعم لثقافة الحياة، لا لثقافة الموت”.
وقالت للصحيفة الأميركية: إنّ “كل ما ندافع عنه، بما في ذلك القيم المسيحية والأعراف التقليدية للجنسين، يتعرّض للهجوم”.
كما شدّدت على المخاوف الاقتصادية في بلادها، وتحدّثت عن ارتفاع تكلفة الطاقة والمواد الخام، ومخاوفها من عودة وباء كوفيد- 19 إلى البلاد، وقلقها من ارتفاع الدين العام في إيطاليا.
ما أسباب الصعود السريع؟
ووفق محللين، حصد حزب “إخوّة إيطاليا” الكثير من أصوات ناخبي “الرابطة” بقيادة ماتيو سالفيني، الذين ضاقوا ذرعا بسياساته والهزائم السياسية المتكررة التي مني بها، فضلا عن تبني الحزبين لبرامج متشابهة للغاية تستهدف نفس الناخبين.
وتعقيبا على ذلك، قال دافيد ماريا دي لوكا، المراسل السياسي في صحيفة “دوماني” التقدمية “إنهم يتفقون على كل شيء تقريبا: وقف الهجرة، تجنب دفع الضرائب، مساعدة كبار السن… لذلك من الطبيعي أنه عندما تنخفض شعبية سالفيني، ترتفع أسهم ميلوني” لدى الناخبين.
وفي حين تتداخل بنود برنامج ميلوني مع برنامج “الرابطة” إلى حد كبير، خاصة عندما يتعلق الأمر بالهجرة، “الحدود المغلقة والحصار البحري لمنع طالبي اللجوء من الوصول إلى البلاد”، إلا أن ميلوني لم تبرز تلك القضية على أنها الأساسية ببرنامجها كما فعل سالفيني، بل راحت إلى اعتماد مفهوم “القيم المسيحية” كمحور أساسي يقوم عليه برنامجها.
أيضا، لم تخض ميلوني جدالات مع البابا ولم تهاجمه، كما فعل سالفيني، كونه أحد أكثر الشخصيات احتراما وحبا في البلاد، ولما يمثله بالنسبة للغالبية العظمى من الكاثوليكيين الإيطاليين.
جورجيا ميلوني.. من بائعة خضار إلى رئاسة حكومة إيطاليا
داعمة للناتو ومعارضة لبوتين
ويجادل خصومها بأن آرائها يمكن أن تنحرف إلى أقصى الحدود. وفي خطاب عام 2017، قالت إن الهجرة غير الشرعية على نطاق واسع إلى إيطاليا كانت “مخطّطة ومتعمّدة، نفّذتها قوى مجهولة لكن قوية لاستيراد العمالة منخفضة الأجر، وطرد الإيطاليين”. ووصفت الأمر بـ “الاستبدال العرقي”.
لكنها في الوقت نفسه، داعمة قوية لحلف شمال الأطلسي، وتعهّدت بعدم الإخلال باستقرار البلاد أو مكانتها في الاتحاد الأوروبي، أو التحالفات مع دول “الناتو”.
كما لا تظهر أي تقارب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فمنذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، كانت صوتًا ثابتًا وقويًا في دعم أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي.
وذكرت صحيفة “البايس” الإسبانية أن ميلوني تعهّدت بدعم السياسة الغربية بشأن أوكرانيا، وعدم تحمل مخاطر لا داعي لها مع اقتصاد تضرر بشدة من ارتفاع الأسعار.
ورجّحت مجلة “ايكونوميست” البريطانية ألا تستطيع ميلوني تنفيذ تعهّداتها التي قطعتها خلال الحملة الانتخابية؛ إذ من المتوقّع أن تختلف مبكرًا مع حليفيها سيلفيو برلسكوني وماتيو سالفيني.
ولذلك أوضحت المجلة أن ميلوني ستجد أنها مقيّدة بعدة طرق، بينها الأدوار التي يلعبها الرئيس الإيطالي المنتخب بشكل غير مباشر، ورئيس المحكمة الدستورية، وهما من الوسطيين المعتدلين. وستجد قيودًا مماثلة من مقدار الضرر الذي قد تلحقه ميلوني بالاتحاد الأوروبي، حتى لو أرادت ذلك.
المصدر: وكالات
تابعونا على فيسبوك–تلغرام–تويتر