جمعية محبي الفنون الجميلة.. 100 عام من الإبداع في مصر
نهضة فنية كبرى عاشتها مصر مع مطلع القرن الـ 20، وحضور واسع لجيل من الفنانين الرواد كان لهم دور في قيادة الحركة الفنية التي شهدت ازدهاراً نتيجة الاهتمام الكبير بالفنون.
أنشئت عام 1908 مدرسة للفنون الجميلة في القاهرة على يد الأمير يوسف كمال لتكون أول جهة أكاديمية تدرّس الفنون في مصر والنواة الأولى لتأهيل أجيال من الفنانين تعاقبوا على مدى أكثر من 100 عام.
كنتيجة لازدهار الحركة الفنية والاهتمام بها كانت هناك محاولات عدة لوجود كيان يعنى بتنظيم فعاليات فنية ومعارض يشارك فيها كبار الفنانين الموجودين على الساحة آنذاك لتكون البداية بإنشاء الجمعية المصرية للفنون الجميلة، وأقامت الجمعية معرضها الأول عام 1919 تحت رعاية هدى شعراوي، وشارك فيه خريجو الدفعة الأولى من مدرسة الفنون الجميلة من أمثال محمود مختار وراغب عياد، كما شارك أيضاً الأمير محمد علي (ابن الخديوي توفيق) والأميرة سميحة حسين (ابنة السلطان حسين كامل).
وشهد هذا المعرض حضوراً ودعماً كبيرين من رموز السياسة، أمثال سعد باشا زغلول وعدلي يكن باشا، فاقتنوا من المعروضات ليكون ذلك حافزاً للفنانين على الاستمرار.
كانت الخطوة السابقة البداية التي نتج منها بعد أعوام لاحقة افتتاح جمعية محبي الفنون الجميلة التي تحتفل هذا العام بمرور 100 سنة على إنشائها كأول كيان أهلي في مصر يهتم بالفنون الرفيعة ويشرف على تنظيم الفعاليات وخلق آليات للتواصل بين أجيال من الفنانين.
وعن جمعية محبي الفنون الجميلة في مئويتها، قال الأستاذ بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة ونائب رئيس مجلس إدارة الجمعية الفنان أشرف رضا لـ “اندبندنت عربية”: “تأسست جمعية محبي الفنون الجميلة عام 1922، وكان الأمير يوسف كمال أول رئيس مجلس إدارة للجمعية بعد إنشائه مدرسة الفنون الجميلة في القاهرة عام 1908، ويمكن اعتباره راعياً للفنون في مصر”، وأضاف رضا: “عام 1923 أقيم معرض (صالون القاهرة)، وشاركت فيه نخبة من فناني مصر الكبار وصل عددهم إلى 93 فناناً، من بينهم محمود سعيد ومحمد ناغي وراغب عياد وعلي الأهواني، وكان تحت رعاية الأميرة سميحة كامل”.
وأوضح “تشجيعاً للجمعية ودعماً لها وللحركة الفنية المصرية صرحت الحكومة بإقامة معرض لفنانيها في فندق سافوي عام 1924، واعتمدت في 1925 مبلغاً مالياً للاقتناء من المعروضات، إضافة إلى ما خصصته من إعانة سنوية للجمعية لتحقيق أغراضها، كما أدركت بعض الحكومات الأجنبية مكانة هذه الجمعية ونشاطها الفني الكبير، فأقامت عدداً من المعارض الفنية الدولية لتوطيد وتوثيق العلاقات بين الفنانين المصريين والأجانب”.
دور في المشهد الفني المصري..
كان للجمعية منذ افتتاحها دور كبير في المشهد الفني والحركة الثقافية في مصر، بحيث تخطى دورها مجرد إقامة المعارض والندوات، وأشار رضا إلى أنه “حين أراد الملك فؤاد إقامة متحف للفن الحديث (الواقع حالياً بدار الأوبرا) عهد بذلك إلى محمد محمود خليل بك، الذي كان يشغل وقتها منصب رئيس مجلس إدارة الجمعية، فسافر إلى أوروبا مرات عدة لاقتناء أعمال للمتحف الجديد، كما قام بشراء عدد من أعمال الفنانين التي كانت تعرض في صالون القاهرة واختيار هذه المقتنيات بمشاركة بعض أعضاء الجمعية وكبار الفنانين حينها”.
وقال رضا “ترتكز جمعية محبي الفنون الجميلة على إقامة حدثين بشكل منتظم، الأول هو صالون القاهرة كملتقى سنوي لفناني الحركة الفنية المصرية يعرضون فيه إبداعاتهم ويتنافسون في أعمالهم الفنية وابتكاراتهم السنوية ويتناوب على تنظيمه كل عام أحد الفنانين المصريين، ومسابقة الطلائع التي تُعنى بالفنانين الشباب لتستمر مسيرة الفنون الجميلة في البلاد، ويستمر تدفق أجيال الفنانين رافعين راية الإبداع ومحققين منظومة الريادة المصرية في الفنون”.
التواصل والاتصال..
دائماً ما كان واحداً من الأدوار المنوطة بجمعية محبي الفنون الجميلة، إتاحة الفرصة للأجيال الجديدة من الفنانين ودعمهم، ومن هنا نشأت فكرة إحدى أهم الفعاليات التي تنظمها الجمعية وهي معرض ومسابقة “الطلائع” وكانت دورتهما الأولى عام 1960 بمشاركة 21 طالباً وخريجاً في كليات الفنون، وبلغ حينها عدد الأعمال المعروضة أكثر من 150 عملاً من التصوير والنحت والحفر وطباعة المنسوجات وأعمال المعادن، وتقام حالياً الدورة الـ 62 للمعرض والمسابقة “دورة المئوية” تحت عنوان “التواصل والاتصال”.
وعن الدورة الحالية يقول الفنان عمر طوسون قومسيير “جاء المعرض تحت عنوان التواصل والاتصال باعتبار أن جمعية محبي الفنون الجميلة على مدى 100 سنة كان لها دور كبير في التواصل بين أجيال متعاقبة من الفنانين، فرواد الفن في مصر كانت بداياتهم بمشاركات في جمعية محبي الفنون الجميلة، واستمر هذا الدور للجمعية حتى الجيل الحالي المشارك في هذا المعرض المقام بالتواكب مع الاحتفال بالمئوية، بحيث تتاح للفنانين الشباب إلى جانب المشاركة في المعرض، فرصة التواصل مع كبار الفنانين والنقاد التشكيليين، وهذا واحد من أهداف الجمعية دائماً على مدى المئة عام”.
وأضاف قومسيير “الفنانين الشباب المشاركين في المعرض قدموا أعمالاً متميزة وعلى مستوى عالٍ، سواء من حيث الأفكار أو التنفيذ، وجميعهم أعمارهم تحت 30 سنة، فهم حالياً طلائع الفن، لكنهم مستقبلاً سيقودون الحركة الفنية في مصر مثل الأجيال التي سبقتهم”.
أنواع متعددة من الفنون ضمها المعرض تنوعت بين التقليدي والمستحدث ومدارس ورؤى فنية مختلفة قدمها الفنانون، وعنها يقول قومسيير “الأعمال المشاركة في المعرض تتنوع وتضم جميع أشكال الفنون مثل الرسم والنحت، وأضفنا هذا العام فنوناً جديدة مثل التجهيز في الفراغ والفيديو أرت، وهي من الفنون الحديثة التي لا بد من أن نواكبها، ولا نقتصر في المعارض على الشكل التقليدي للفنون، فالتكنولوجيا أصبحت واقعاً في حياتنا وأصبحت لها علاقة وثيقة بأنواع جديدة من الفنون لا بد من أن تهتم بها جمعية محبي الفنون الجميلة لتواكب التطور وتستمر في دورها الرائد في مئويتها الجديدة”.
المصدر: انديبندنت عربية
للمزيد من الأخبار تابعوا صفحتنا على الفيسبوك –تلغرام –تويتر