إضاءاتالعناوين الرئيسية

جداريات للحياة.. أحمد علي هلال

|| Midline-news || – الوسط
.

داخل الحرب وخارجها تبدو المدن والقرى والبلدات مشغولة في ما وراء تفاصيلها الأكثر قدرة على صياغة الحياة..
هكذا تأتي عناوين المدن الفلسطينية وهي تتصدر الذاكرة الأخرى، ذاكرة بشر حالمين كأنهم سطور رواية لا تنتهي، أو قصيدة مفتوحة على المطلق، أو هو مسرح ظلت خشبته تتسع أكثر وأكثر ولغير دور، لكن أكمل الأدوار هو دور البطولة المتفردة في الأزمنة العصية على النسيان.

1

مجاز طفولة أخرى

لم  يتسن  بفعل القصف وليلة العيد للأم بأن يرى ابنها لباس العيد الجديد، ذلك أن شظايا القذائف العمياء قد عاجلت الصبي لتخترق الجسد الغض عشرات الشظايا، لكن العيد في صباح اليوم التالي كان برسم طفولة العالم حينما ذهبت تلك الأم إلى قبر ابنها وأصرت على أن تضع الثياب فوق القبر تماماً كما لو أن ابنها يلبسها فرحاً وممتلأ بالحبور، إذ تماهى الجسد بالتراب وأصبح الجسد ذلك التراب الممتد بلا نهاية في شوارع غزة.

2

لأطفال غزة طقوس فريدة مع طائرات الورق

لكنهم في أزمنة الحرب صاروا طيوراً من دم ولحم تحلق في السماوات البعيدة الأكثر علواً، وكيف للسماء إلا أن تشهق أمام طائرات ملونة بما يكفي من نجيع الوقت والأسئلة، تطير كما اليمام فوق أرض الينابيع، أرض لا تغيب عنها الشمس صارت طائرات الورق الملونة حيوات طليقة أخذ اليمام مقامها وهيئتها، وهكذا نفسر لماذا ظل اليمام على النوافذ العالية يرنوا للحياة  وترنو  له الحياة.

3

ثياب العيد الجديدة!

اعتادت الأم أن تشتري لابنها ثياب جديدة كل عيد ليزهو بها بين أقرانه ويعيش فرحاً يخصه.. لم تنم ليلتها وهي تهجس بالأحسن منها، أي بما يليق بجسد غض كجسد الصباح، لكن تلك الليلة السوداء التي شهدت غير كابوس قضَّ مضجع الأحلام، لم تذهب بحبرها المحروق إلا لتترك على ذلك الجسد الغض جراحاً عميقة، لتمتص حياته الطازجة الحلم، ويغفو الولد قليلاً تأخذه أحلام أبعد من تلك الكوابيس الضارية، كوابيس الموت يساقط من سماوات فلسطين على كل ما يتحرك حياً على الأرض.

صباحاً أودعته جسد الأرض، جسد بجسد لتتفجر الينابيع فكل قطرة حكاية، وحدها الأم من ظلت فوق قبر ابنها تلبسه تلك الثياب الجديدة، فرشتها بهدوء فوق حبات التراب علَّ ابنها ينهض من جديد ليرتديها ويذهب عدّاءً  لطائرته  الورقية.

.

*(كاتب وناقد فلسطيني- سوريا)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى