بعد اختفاء دام 10 سنوات: سيف الإسلام القذافي يسعى للعودة إلى الساحة السياسية

صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشر ت أول مقابلة صحفية مع سيف الإسلام القذافي، تحت عنوان “ابن القذافي ما زال حيا ويريد أن يستعيد ليبيا”.
و ألمح سيف الإسلام القذافي إلى إمكانية عودته إلى الحياة السياسية، وذلك في أول مقابلة مصورة منذ اعتقاله قبل 10 أعوام، وقد ظهرت فيها ملامحه متغيرة بشكلٍ كبير.
ويروي المراسل الذي أجرى معه الحوار أنه قضى عامين ونصف العام يرتب لهذه المقابلة مع سيف الإسلام، وخلال هذه الفترة تحدث معه عدة مرات عبر الهاتف، دون أن يكون واثقاً من أنه هو، إذ إن مسألة حياته لا تزال موضع شك لدى كثيرين.
وفي صباح يومٍ عاصف حارٍّ في أيار/مايو الماضي، الذي وافق شهر رمضان، غادر المراسل فندقه في طرابلس ليبيا، مستقلاً سيارة من نوع سيدان رمادية متهالكة، لها سائق يدعى سالم، وكادت شوارع العاصمة تخلو من الناس والسيارات، ولم تقابلهم أي نقطة تفتيش في طريقهم باتجاه الجنوب الغربي نحو جبل نفوسة.
وقال: بعد ساعتين تقريباً، صعدنا ببطء وسط قمم بنية داكنة حتى وصلنا إلى هضبة «الزنتان». وعلى أطراف إحدى القرى، أوقف سالم السيارة وطلب مني أنا والمصوّر الذي يرافقني، جهاد نجا، الانتظار.
وأضاف: «لم يمضِ وقتٌ طويل حتى توقفت خلفنا سيارة بيضاء من طراز «تويوتا لاند كروزر»، وخرج منها رجل يرتدي ثوباً ناصع البياض. طَلب منا أن نترك هواتفنا في سيارة سالم. كانت السيارة مصفّحة ذات أبواب ثقيلة جداً حتى أنها حجبت جميع الأصوات من الخارج. عرّف السائق نفسه بأنه محمد، ثم قاد السيارة دون أن ينبس بكلمة لمدة عشرين دقيقة تقريباً، إلى أن دخل مجمّعاً سكنياً محاطًا بالبوابات وأوقف السيارة أمام فيلّا من طابقين تبدو عليها مظاهر الترف. فتح محمد الباب الأمامي، ودخلتُ عبر باب خافت الإضاءة، ثم تقدّم نحوي رجل ومدّ يده قائلًا: مرحبا».
وتابع المراسل: «لم يكن لديّ شكٌ في أنه سيف الإسلام، مع أن ملامحه بدت أكبر سناً وكست وجهه لحية طويلة غزاها الشيب. كان إبهام يده اليمنى وسبّابتها مبتورَين، نتيجة إصابته بشظية في إحدى الغارات الجوية عام 2011، على حدّ قوله.
كان يرتدي عباءة سوداء خليجية الطراز تزيّنها أهداب ذهبية، كأنه رئيس دولة، ووشاحاً ملفوفاً حول رأسه. لو أن سيف الإسلام ورث شيئًا واحداً فقط عن أبيه، فهو أسلوبه المتكلّف. قادنا إلى قاعة جلسنا فيها على أرائك جديدة بلون مائل إلى الخضرة. وغلبت مظاهر الترف على أثاث القاعة، بسجّادها السميك وثريّاتها الكريستالية وستائرها الأرجوانية. وفي تنافرٍ واضح مع هذه الأجواء، عُلِّقت على الجدار لوحة بها صورة جبال وإحدى بحيرات الألب. لم يكن في المنزل أحد غيرنا».
وأردف: «مرّت فترة من الصمت المشوب بالارتباك قبل أن أسأله إن كان لا يزال سجيناً، فقال أنه رجل حر وإنه يرتّب لعودته إلى الساحة السياسية».. مضيفا: “تعمدت الاختفاء لأن الليبيين ينجذبون للغموض”.
وأشارت الصحيفة إلي أن سيف الإسلام استغل غيابه عن الساحة في مراقبة الأوضاع السياسية في منطقة الشرق الأوسط والعمل بهدوء على إعادة تنظيم القوة السياسية التابعة لأبيه والمعروفة باسم “الحركة الخضراء” ورغم تحفظه بشأن الحديث عن احتمالية ترشحه للرئاسة، فهو يعتقد أن الحركة التي يقودها بإمكانها أن تعيد للبلاد وحدتها.
ووفقا لـ”نيويورك تايمز”، ورغم اختفاء سيف الإسلام عن الساحة، فإن تطلعاته للرئاسة تؤخذ على محمل الجد فخلال المحادثات التي أسفرت عن تشكيل الحكومة الليبية الحالية، سمح لمؤيديه بالمشاركة، ونجحوا بمهارة إلى الان في إلغاء شروط للانتخابات كانت ستحول بينه وبين الترشح.
وتشير بيانات استطلاعات الرأي المحدودة في ليبيا إلى أن قطاعا عريضا من الليبيين – بنسبة 57% في منطقة واحدة – قد عبروا عن ثقتهم بسيف الإسلام.
وقبل عامين، قيل إن أحد منافسيه دفع 30 مليون دولار لقتله في محاولة ليست الأولى لاغتياله، فيما اعتبر دليلا تقليديا على مكانته السياسية.
وقال سيف الإسلام إنه لم يكن على اتصال بالعالم الخارجي خلال السنوات الأولى من اعتقاله، وأنه قضى بعض هذه الفترة في مكان أشبه بالكهف، وهي غرفة تحت الأرض شقت وسط الصحراء أسفل منزل في بلدة الزنتان، لم يكن بالغرفة أي نوافذ، ولم يكن يميز الليل عن النهار أغلب الوقت كان وحيدا تماما، وأدرك أنه قد يموت في أي لحظة، فازداد إيمان
وقال سيف الإسلام (49 عاما) الذي ظهر للمرة الأولى منذ أربع سنوات إن السياسيين الليبيين “لم يجلبوا إلا البؤس. حان الوقت للعودة إلى الماضي. البلد جاثٍ على ركبتيه … لا مال ولا أمن. لا توجد حياة هنا”.
وفي أول لقاء له مع صحافي أجنبي منذ عقد، قال سيف الإسلام، أنه “بعدما خاب أملهم من الثورة”، أدرك المتمردون الذين أسروه “أخيرا أنه قد يكون حليفا قويا”.
وأضاف سيف الإسلام: “لقد اغتصبوا بلادنا وأذلّوها. ليس لدينا مال ولا أمن ولا حياة. إذا ذهبتَ إلى محطة الوقود، فلن تجد وقودًا. نحن نصدّر النفط والغاز إلى إيطاليا – نحن نضيء نصف إيطاليا ونعاني نحن من انقطاع الكهرباء. ما يحدث تخطّى حدود الفشل. إنه مهزلة”.
ومن الواضح أن أطرافًا خارجية أخرى تدعم سيف الإسلام، لكنه تكتَّم حول الحديث عن هذه النقطة، بحسب مراسل الصحيفة.
وأي ترشيح محتمل لسيف الإسلام سيواجه مشكلة كبيرة بعد أن أدانته محكمة ليبية وصدور مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية.
وكتبت صحيفة “نيويورك تايمز” أنه “مقتنع بأن هذه المسائل القانونية يمكن التفاوض بشأنها إذا اختارته غالبية الشعب الليبي زعيما”، مشيرة إلى أن “سيف يعتقد على ما يبدو أنه وحده يستطيع تمثيل دولة لجميع الليبيين”.
وقال نجل القذافي “أبعدت عن الشعب الليبي 10 سنوات. عليك أن تعود ببطء. عليك أن تحضّره ذهنيا قليلا”.
وعندما سئل عما إذا كانت محاولاته اللجوء إلى منازل ليبية عندما كان هاربا عام 2011 أمرا غريبا، كانت إجابته غامضة مثل بعض الآراء التي عبر عنها والده الراحل في “الكتاب الأخضر”.
وقال سيف الإسلام “نحن مثل الأسماك، والشعب الليبي مثل البحر بالنسبة إلينا، بدونه نموت. هذا هو المكان الذي نتلقى فيه الدعم. نختبئ هنا. نقاتل هنا. الشعب الليبي هو محيطنا”.
و في العام 2011، بعد أربعة عقود من السلطة دون منازع، أسقط معمر القذافي والمقربون منه في انتفاضة شعبية، فقتلوا أو سجنوا أو نفوا.. وقتل ثلاثة من أبناء القذافي، لكن مصير الرابع سيف الإسلام الذي كان يعد خليفة والده لفترة طويلة، بقي مجهولا.
و في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، أسرته جماعة مسلحة في زنتن بشمال غرب ليبيا وحكم عليه بالإعدام عام 2015 بعد محاكمة سريعة. ومع ذلك، رفضت المجموعة التي احتجزته تسليمه للسلطات أو للمحكمة الجنائية الدولية التي تبحث عنه بتهمة ارتكاب “جرائم ضد الإنسانية”، لكنها أطلقت سراحه عام 2017. ومنذ ذلك الحين، اختفى أثره.
المصدر: وكالات
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك:https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews